لطالما رافقت الحروبَ محاولاتُ الأطراف المتنازعة التّأثيرَ على الخصم من خلال استخدام أدواتٍ نفسيّةٍ تتعدى الفعل العسكريّ الماديّ. وفي هذا السّياق، تعتبر القدرة على نشر الإشاعة، أو العبث في منظومة المعلومات لدى الخصم، أو حتى الفاعلية في بناء مصداقية مع مجتمع العدوّ بهدف إخراج التناقضات الاجتماعية والسّياسية للظاهر، أو زعزعة الإرادة لديه بالاستمرار في المواجهة، هي إحدى أقدم أدوات الحرب استخدامًا وأحد أهم أبعادها.

وقد كتب “سان تزو” أحد أهم فلاسفة ومنظري الحرب في كتابه “فن الحرب”: (ليس عليك القضاء على الخصم، يكفي أن تقضي على إرادة الخصم في القتال). أما قائد اللواء الأمريكي “غرفتث” فقد أثنى على البعد النّفسيّ في الحرب (PSY operations) من خلال مقولته: (إن عقل العدوّ وإرادة قادته هو هدف يفوق أهمية أجساد جنوده). الحرب إذن في جوهرها صراع العقول والإرادة والنفس، ولذلك تتخذ الحرب النفسيّة موقعاً هاماً في إطار العمليات العسكريّة، قد ترتقي أحياناً لدرجة السّلاح الإسراتيجي، أو تندرج في سياق الأدوات التي تتيح لمستخدميها مضاعفةً واضحةً للقوّة بما يتسق مع كونها سلاحاً تكتيكياً فعالاً

وللحرب النفسيّة عواملُ أساسيةٌ مختلفةٌ؛ أهمها فهم مبادىء الحرب النفسيّة، وفهم الجمهور المستهدف. ومن هذه المبادىء أنه لا يمكن إدارة الحرب النفسيّة بنجاح من دون توجيه رسائل تتصل بالفعل العسكريّ الماديّ، ولها القدرة على محاكاة المجتمع المستهدف بهدف تعزيز شكوكه من الحرب والإرادة بالاستمرار فيها.

بالمقابل، فإن الحرب النفسيّة هي أيضاً قدرة الفاعل على الاشتباك وتعزيز الحاضنة الشعبية المباشرة للمقاومة والمجتمع الأوسع، وذلك من خلال رسائل عامّة تتعلق بالحرب وسياق المعارك والأهداف المنشودة. ويمكن لتلك الرسائل أن تأتي على شكل خطاب أو أفعال أو بيانات أو من خلال السّيطرة على المعلومات الواردة وطبيعتها ومتى وكيفية نشرها.

إن أي ممتهن للحرب النّفسيّة لا يمكنه تجاهل البعد الثّالث في العمليات النّفسيّة والذي يتعلق بالجمهور المحايد، أو ما يُسمى في سياق عالم اليوم “الجمهور العالمي”، وبالأخص جمهور دول حليفة أو شريكة، والتي قد تشكل عبئاً على قدرة أي من الأطراف على الاستمرار في الحرب، خاصّة إن أسفرت الحرب  عن تداعياتٍ سياسيةٍ داخليةٍ لدى الدول الحليفة إما امتعاضاً من عدم قدرتها على مد يد المساندة أو من بشاعة الحرب وأثمانها.

من غير المستغرب، إذن، أن يستثمر العدوّ الصّهيوني في بنية علاقات عامة عالمية تتضمن تفعيل سفاراته في الدول الغربية، وتوظيف مكاتب وشركات متخصصة للتعامل مع الجمهور الغربيّ بالأساس، واستحضار ثلة من المتحدثين المتمرسين في لغات عالمية، أهمها الإنجليزية والعربية والإسبانية وغيرها من لغاتٍ ذات أهمية للعدو وتحالفاته السّياسية.

ويجب ألّا نغفل أهمية الحرب النفسية في مختلف مراحل الحرب، فالحرب النفسية لا تقتصر فقط على المعلومات التي تنتج من رحم المعارك الدائرة، بل هي أيضاً حربٌ تدار قبل اندلاع المعارك لإقناع الجمهور الحاضن بضرورة خوض الحرب، أو على العكس لإقناع جمهور العدوّ وقادته بأن أية معارك عسكريّة ستكون مٌكلِفة، وذلك في محاولة لخلق معادلات ردع؛ أي أن العمليات النفسيّة تسبق الحرب.

بالإضافة إلى ذلك، تستمرُ الحربُ النفسيّة بعد انتهاء المعارك العسكريّة المباشرة، وذلك عندما يستعرض طرفا الحرب نتائج المعارك ويربطانها مع النتائج السياسية، ويحاولان إدارة أي نوع من “التذمر” أو التّداعيات الداخلية لنتائج الحرب. باختصار، تسبق الحرب النفسية المعارك وتصاحبها وتتبعها.

المصداقية:  جوهر الحرب النفسيّة

كان وما زال “ماو تسي تونغ”، قائد الحزب الشيوعي الصيني، أحد أهم منظري الحروب الثورية أو حروب العصابات في العالم. وقد شبّه ماو الثّورة في علاقتها مع المحيط الاجتماعي بالسمكة التي تسبح في المياه، والتي إن خرجت من الماء فقدت قدرتها على الحياة. بالنسبة لماو وجيفارا وغيرهما من منظري الحروب الثورية، يرتبط البعدُ النّفسيّ بشكلٍ عضويّ مع العمليات العسكريّة، بل يمكن القول إن البعد النّفسيّ ذو أهمية تفوق أهمية الأعمال العسكريّة الماديّة، وذلك في محاولة لإبقاء السمكة في الماء.

في هذا السياق، تم تطويع الفعل العسكري المادي والعملياتي بما يتسق مع الأهداف النفسيّة في الكثير من الحالات، أي أن الاستراتيجية الأساسية لمعظم حركات التحرر تمحورت حول إقناع المجتمعات المعادية بعدم جدوى الاستمرار في الاستعمار.

لم تخرج تجربة الثورة الفلسطينية في منتصف القرن العشرين من هذا الإطار، فأتى البيان الأول لحركة فتح معلناً عن إطلاق أولى الرصاصات تجاه العدو في سياق عملية عسكرية لم تنجح في تحقيق هدفها التكتيكي، ولكنها نجحت على الصعيد النفسي، إذ مثّلت انطلاق مرحلة جديدة من العمل العسكري. وكانت العمليات التي صاحبت الثورة، ومن أشهرها خطف الطائرات، مثالاً صارخاً لعملياتٍ عسكريّةٍ تمت هندستها لأهداف نفسيّة بالأساس.

تأثرت الحرب النفسيّة واستخداماتها بتطور أدوات التّواصل والاتصال، فبينما كانت في أواسط القرن العشرين في حقبة انتشار حركات التّحرر تعتمد بالأساس على الخداع والمبالغة في الحديث عن نجاح العمليات العسكريّة، كالحديث عن أعداد القتلى عند العدوّ، أصبحت هذه الطريقة غير ذات جدوى في عالم اليوم، حيث يمكن اليوم بشكل متاح أكثر الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة ومحاولة التأكد منها عبر مقارنة الروايات المختلفة، وهو الأمر الذي شكّل عائقاً أمام التضخيم في نتائج أي ملحمة عسكرية، وعلى العكس أصبحت المصداقية واحدة من أهم عوامل نجاح العمليات النفسيّة في إطار الحروب.

وترتبط القدرة على خلق المصداقية بثلاثة عوامل لا يمكن تجزئتها:

 أولاً: التنسيق العالي بين الأعمال العسكريّة الماديّة والخطاب الإعلامي، بحيث يخرج الخطاب الإعلامي كتعبير بلاغيّ لفعل ماديّ، ومن هنا تُبنى آليات الصدق أمام جمهور الحاضنة الشعبية وأمام جمهور العدوّ. ولربما كانت عملية “ناحل عوز” من أهم وأكثر الأمثلة نجاعةً في منحى الحرب النفسية خلال حرب عام 2014، فقد نجحت المقاومة الفلسطينية في توثيق العملية بالفيديو، ونشرت الفيديو مرفقًا بخطاب للقائد العام لكتائب عزّ الدين القسّام محمد الضيف، الأكثر مصداقية من قادة الحركة في قطاع غزة لدى جمهور وقيادات العدوّ.

وقد تضمن خطابه رسائلَ مهمةً للعدوّ ورسائلَ أخرى للمجتمع الفلسطيني، أبرز ما جاء فيها أن المقاومة تمتلك القدرة على ضرب البنى المدنية واستهداف المدنيين، ولكنها ارتأت في سياق الحرب استهداف الجنود، وذلك بناءً على خيار عملياتي-نفسي يهدف بالأساس إلى زعزعة الخطاب الصّهيونيّ الرسمي وزعزعة الثقة ما بين الجمهور والنخبة السياسية والعسكريّة في المجتمع الصّهيونيّ، والتي ادعت في بدايات العمليات العسكريّة أن المقاومة الفلسطينية تستهدف من شق الأنفاق ضرب مستوطنات غلاف غزة في عمليات ضخمة  تستهدف “المدنيين” بالأساس.

ثانيًا: عدم المبالغة الزائدة أو التضليل الواضح في المعلومات: خاصةً تلك التي ترتبط بسير المعارك، إذ إن المبالغة تفقد صاحبها المصداقية أمام جمهوره وأمام جمهور العدوّ. ومن المعروف أن المبالغة من جهة تخدم رفع المعنويات على الجبهة الداخليّة، لكنها من جهة أخرى توفر للطرف المقابل القدرة على تفكيك الرواية من خلال عرض حقائق أو من خلال تفنيد الرواية بشكل صارخ، ما يضرب في صميم القدرة على التأثير على الجمهور.

وفي حرب غزة الأخيرة ثمّة مثالان واضحان على ذلك، كان الأول في صالح المقاومة والذي تمثل باختراق أجهزة العدوّ الحاسوبية وأنظمة وشبكات الاتصال، واستطاع من خلالها بثّ شرائط فيديو توضح شراسة المقاتل الفلسطيني في وحدة الضّفادع البشرية في بدايات الحرب، وذلك على نقيض الرواية الصّهيونيّة والتي صوّرت عملية وحدة الضفادع بشكل يتناسب مع الصورة النمطية للمقاتل “العربي” والذي يتم اصطياده بسهولة.

أما المثال الثاني فكان لصالح العدوّ، حيث أصرت المقاومة الفلسطينية على عرض وإعلان أعداد القتلى عند العدوّ، وهو أمر غير ضروري خاصة أنه يصعب أحياناً في مسار العمليات العسكريّة التأكد من أعداد القتلى أو الإصابات بشكل دقيق. هذا لا يعني أن العدوّ لا يخفي العدد الحقيقي لمن سقط من جنوده في المعارك المختلفة، ولكن من المنطقي أيضا ألا تستطيع مجموعة متخصصة في إطلاق قذائف الهاون، والتي عادةً ما تطلق قذائفها من بعد أكثر من 10 كم، النجاح في استقصاء أعداد القتلى عند العدوّ بشكل دقيق، أو معرفة من نجا من خلال العلاج في المستشفيات الصّهيونيّة.

ثالثاً: توحيد الرسائل الموّجهة للجمهور في إطارها السّياسي والعسكريّ خاصةً أثناء الحرب. إذ يؤدي تعدد المنابر إلى اختلالٍ في الرسائل، خاصّة في سياق خلافات سياسية ظاهرة على الأهداف الاستراتجية المرجوة من الحرب أو في سياق صراعات سياسية داخلية يتم إخراجها إلى العلن.

وقد وقعت المقاومة ووقع العدوّ كذلك في هذا الفخ، فالصراع في أروقة صنع القرار الصّهيونيّ كان ظاهراً للعيان من خلال تسريباتٍ للصحافة الصّهيونيّة وردت من مراكز صنع القرار على أثر الخلافات ما بين الوزراء في الحكومة أو ما بين قيادات الجيش والقيادات المدنية على سير الحرب والاستراتجيات والتكتيكات المتبعة في سياقها. ويساهم طابع النظام السياسي الصّهيونيّ في إخراج هذه التّوترات والتّناقضات الداخليّة إلى العلن. وقد كان أحد أهم تلك الصّراعات ما نشبت ما بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الاقتصاد في حينها وقائد حزب “البيت اليهودي” نفتالي بينيت.

أما على صعيد المقاومة، فقد عانت من تعدد المنابر الإعلامية ما بين متحدثيها العسكرييّن والسياسيين وتوّزع قياداتها السياسية في عواصم عربية مختلفة. ومن المهم هنا ذكر التوتر الصّارخ ما بين الذراعين العسكري والسياسي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والذي ظهر إلى السّاحة بشكل واضح في الأيام الأخيرة للحرب.

ويشكّل تعدد المنابر القيادية من فصائل المقاومة المختلفة أو داخلها أزمة بنيوية في الجسم السّياسي الفلسطيني، ويؤثر في قدرته على إدارة المعركة على الصّعيدين السّياسي والنّفسيّ بهدف الوصول إلى الأهداف المرجوّة من الحرب. وتتصاعد في الحرب ضرورة أن يكون ذاك الجسم على اختلافه السياسي والأيديولوجي أو حتى الشخصي في ذروة ترابطه، ولربما كانت تجربة “حزب الله” مثالاً على ذلك، حيث اختصرت الكثير من الأزمات من خلال إظهار صوت إعلامي واحد، ألا وهو حسن نصر الله.

وفي مواجهتنا مع العدوّ الصّهيوني، اتخذت الحرب النفسيّة أبعاداً مهمة بُعيد انتهاء حرب 2006، وأصبحت إحدى العوامل الرئيسة في تحديد فشل القوات الصّهيونيّة في تحقيق انتصار في الحرب، وذلك كما جاء في تقديرات لجنة فينوغراد التي بحثت بإسهاب في أسباب الفشل في حرب تموز.

واعتبر كبير مسؤولي الاستخبارات في القيادة المركزية للجيش الصّهيوني كولونيل رونن (Colonel Ronen Marley) خطابات حسن نصر الله – عدا الصواريخ التي أطلقها حزب االله على الأراضي الفلسطينية المحتلة –  “السلاح المهيمن والهجومي الأهم الذي استخدمته حزب االله في الحرب، والذي تمكن من ضرب المجتمع الاسرائيلي وجعل من مصداقية حسن نصر الله أكثر من مسؤولي الحكومة الاسرائيلية”. وفي اللحظة التي تصبح مصداقية العدوّ أكبر من التي تمتلكها أنت، تصبح الهزيمة مسألة وقت، خاصةً في حروب قصيرة تتخذ طابعاً أو شكلاً غير متكافىء في موازين القوّة الكلاسكية.

المعرفة: القلب النابض للحرب النفسيّة

ترتبط الحرب النّفسية بضرورة معرفة العدوّ على كافة الأصعدة: الثقافية والسياسية والدينية والاجتماعية والعلاقات الطبقية والإثنية، وذلك في محاولة لتطوير رسائل موجهة له تقوم بدور فعال من خلال استغلال التناقضات الاجتماعية والمناطقية والسياسية في الجبهة الداخلية لدى العدوّ وإخراج تلك الأزمات إلى السّاحة السياسية.

وهنا تجب الإشارة إلى أن المقاومة قد بثت رسائل عديدة تشير إلى تطور جهازها المعرفيّ المختص بدراسة العدوّ، كان أبرزها عام 2015، إذ استغلت المقاومة التناقضات الإثنية في المجتمع الصّهيونيّ من خلال تغريدة على توتير مفادها: “شعار إسرائيل الحقيقي: لا تترك رجلاً أشكنازياً خلفك”، في إشارة إلى عدم اهتمام الأطر السّياسية بتحرير جندي صهيوني إثيوبي الأصل وقع في أسر المقاومة.

وهنا نلحظ تطوراً في طبيعة الرسائل المستخدمة، إذ إنها خرجت من سياق العموميات التي عادة ما تختزل بعبارات “ضعف الجندي الصّهيوني وإرادة المقاومة”، إلى سياق الرسائل الخاصّة والموّجهة التيّ تمسّ الخارطة الإثنية والسياسية، بل والمناطقية كذلك.

لطالما كانت معرفة العدوّ أساسية بل جوهرية في تعظيم القدرات العسكريّة عند الأطراف المتصارعة، بل يمكن القول أيضاً أن الضّرورات التي تنتجها الحرب أفرزت معارفَ جديدةً، بل طوّرت مداخلَ معرفيةً في العلوم والمجتمع والإنسانيات، فلا يمكن مثلا فصلُ الإنثربولوجيا عن أصولها الاستعمارية. وتعطي المعرفة من يوّظفها أفضلية هائلة ومنفعة عسكريّة مباشرة، ولذلك اهتمت القوى الاستعمارية بتطوير مداخل معرفية للحضارة العربية والإسلامية، بل استثمرت من خلال المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث في تطوير معرفة “شمولية”، وإن كانت في طابعها استشراقية، ارتبطت في حروبها الاستعمارية.

في سياق متصل، خلقت القوى الاستعمارية وحدات انغماسية منذ بدايات نشأة مشاريعها الاستعمارية. من أبرز تلك الشخصيات كان لورنس العرب، والذي شكّل نموذجاً للآلاف من ملتحقي الدوائر الدبلوماسية والمخابرات والعسكريّة الغربية. وقد قال لورنس في مذكراته: “كانت الجغرافيا والبنية القبائلية والديانة والعادات الاجتماعية واللغة والشهية في متناول اليد. وصلت معرفتي بالعدوّ إلى درجة معرفتي بأبناء جلدتي. لقد خاطرتُ بنفسي مراراً وتكراراً لأكون بينهم حتى أتعلم”.[1]

ولا يمكن هنا إغفال القدرات المعرفيّة التّي طوّرها العدوّ في معرفة المجتمع الفلسطيني، بل الاستثمار في منظومة استخباراتية تتسق مع تلك المعرفة، فمن المعروف مثلا أن خريجي الأدب العربي ودراسات الشرق الأوسط في الجامعات الصهيونية يُشكِّلون العمود الفقري لأجهزة الاستخبارات المعنية بالشأن الفلسطيني، وأن من يطمح لدخول أي جهاز استخباري عليه أن ينغمس في القرى العربية حتى يستطيع أيضاً أن “يتعلم”.

بالرغم من التطور الملحوظ في الرسائل الموّجهة للمجتمع الصّهيوني، ما زالت المقاومة تفتقر إلى أجهزة معرفية كافية يمكن من خلالها تطوير قدراتها على صعيد الحرب النفسيّة أو إدارة الحرب سياسياً. نجحت المقاومة مثلاً في اختراق أجهزة الهواتف النقالة خلال الحرب وإرسال رسائل قصيرة باللغة العبرية تضمنت أخطاء لغوية جعلت منها محط سخرية في المجتمع الصّهيونيّ؛ أي بدلًا من تحقيق المرجو منها في خلق حالة توتر داخل المجتمع الصّهيوني، أضحت الرسالة محط سخرية.

ومن هنا، فإن معرفة العدوّ تشكل القلب الناظم لأية عمليات نفسيّة في سياق الحرب، وخاصة أن هدف المقاومة الأساس هو إقناع جمهور العدوّ بعدم جدوى الحرب، وبأن الخيار الأقل تكلفةً هو تنفيذ شروط المقاومة السياسية في مقابل إيقاف العمليات العسكريّة.

الخاتمة

لا تقتصر الحرب النفسيّة على ما ورد أعلاه، بل تتضمن كذلك تحليلاً معمقاً لأجهزة وأنظمة المعلومات وتفكيك البيئة الإعلامية الصّهيونية والوحدات المختصة في الحرب النفسيّة في محاولةٍ لحماية المجتمع المحلي والحاضن للمقاومة. في المقابل، يجب العمل على تطوير أدوات ورسائل موّجهة لمجتمع العدوّ وقياداته.

ومن هنا، فإن التّعامل مع الحرب النّفسيّة على أسس علمية- معرفية والعمل على خلق مصداقية نابعة من القدرات العسكريّة الماديّة هو الأساس في قدرة المقاومة على تطوير أدائها في المعركة النفسيّة، وإن كانت في سياقها الحالي قد قطعت مراحلَ طويلةً وأثمرت عن نتائج إيجابية حتى الآن. إذاً، المصداقية هي الجوهر، والمعرفة هي القلب النابض لحرب نفسيّة ناجعة تضاعف الأثر المادي للعمل العسكري ( force multiplier)،وخاصة في سياق الحروب غير المتماثلة.

————————-

الهوامش:
[1] B.H. Liddell Hart, Lawrence of Arabia (New York: DeCapo, 1989), 399