لطالما كانت الجغرافيا عاملاً مهمًا في حسم الصراعات والحروب وكتابة الفصول الأخيرة لحركات التحرر على مدار التاريخ، فالأرض بطبيعتها وجغرافيتها هي مسرح الأحداث والصراعات ومُحددٌ أساسيٌ في طبيعة الحرب وتكتيكاتها ونتائجها. ويبدو ذلك واضحًا في مسار التاريخ الثوري في فلسطين، إذ كان للجغرافيا حضورٌ مهمٌ في سرد الوقائع ورواية تفاصيل المعارك وكيف انتصرت أو انهزمت تلك الثورة أو العصابة أو البطل الثائر.

سنسعى هنا، باقتضاب، إلى سرد أحداث ووقائع أبت ذاكرة “الواد الأحمر” في الغور النابلسي نسيانها وإغفالها، رغم أفول نجم أبطالها ومرور زمن ليس بالقصير على أحداثها، فالواد بجغرافيته وتضاريسه شكّل حَصّالة قَصصية، جُزءٌ كبيرٌ منها ثوري ينتمي لفترات زمنية متباعدة، سيقصّها علينا بعض الفدائيين وبعض “الخارجين على الدولة”.

“وصلنا الحدود الجنوبية لمعسكر الجيش الأردني المهجور في الواد الأحمر (سد حريز)، وتحديداً في السفوح الشرقية لسلسلة جبال وعرة تحت منطقة تدعى “صير المجادلة” غربًا، وتطلّ عليها السفوح الجنوبية لجبل (قرن سرطبة)، وكان لا يزال أمامنا الوقت لاجتياز هذه المنطقة الوعرة جدًا، بحيث تحاشينا السير على شارع (فصايل) تَخوفًا من وجود كمائن ودوريات مُتحركة لقوات الاحتلال. لم يكن أمامنا سوى تسلق سفح الجبل الوعر والصعب، وهو أمرٌ أخذ منا كثيرًا من الجُهد والتعب والوقت والانفعالات حتى وصلنا قمته، فقد أصبح تل “راس الطويل” شرق قرية عقربا يُقابلنا شمالا بحيث يبعدُ عنا حوالي 4 كم.

سرنا غربًا مسافةً قصيرة وشاهدنا بالقرب منّا واديًا عميقًا تتواجد فيه بعض المُغر، وكانت آثار التعب والإنهاك بادية على أفراد الدورية نتيجة لصعود الجبل. اقترحت على أفراد الدورية أن يأخذوا قسطًا من الراحة، فيما نزلتُ إلى الوادي كي أستطلعه، اكتشفت أنه واد عميق ووعر يسدّه من الغرب طورٌ صخري(1)، وتوجد على أطرافه الجنوبية بعض الجروف الصخرية على شكل “مُغر صغيرة” من الصعب الوصول إليها إلا بشق الأنفس، فيما تمتدّ طريق رجلية تبدأ من طرفه الشرقي وتنتهي بالطور الصخري الذي يسد هذه الطريق”. (2)

بهذه الكلمات، يصف الفدائي أحمد أبو هدبة جغرافية المنطقة وموقع العملية الفدائية التي انتهت باعتقاله وأفراد خليته والزّج بهم في السجن عام 1969، تلك الجغرافيا التي شكلت عُقدة مهمة دفعت الكثير ممن ثار على الاستبداد والظلم إلى تطويعها والاستفادة منها في فترات زمنية مُختلفة، ليس آخرها العمل الثوري الفدائي في نهاية عقد الستينات وبداية عقد السبعينات.

لماذا “طريق المتبوعين”؟

إن تلك الجغرافية (الواد الأحمر) لطالما عُرفت قديمًا باسم طريق المتبوعين الهاربين أو الخارجين، وهو الطريق التجاري الحربي القديم الذي يمرُ عبر منطقة (لفجم) (3) ويصل إلى فصايل وأريحا شرقًا، وهو امتداد للطريق القديم من شكيم نحو الشرق. (4) هناك أيضًا، ثمة حامية  عسكرية فينيقية أقيمت في خربة طانا “تآنه شيلوه”، وهي خربة تقع في محيط الطريق المذكور من الجهة الشمالية، وذلك بهدف حماية الطريق ومنع الاضطرابات وأعمال قطع الطريق التي فرّ إليها الملاحقون والهاربون وقطّاع الطرق في تلك الفترة الزمنية. (5)

وقد عُرفت هذه الطريق لاحقًا باسم طريق السّلطية؛ أي الطريق المؤدية إلى مدينة السلط في جبال الأردن المُطلة على الغور، وكان  يتحتّم على المسافرين من منطقة مشاريق نابلس أو غيرهم العبور عبر هذا الطريق إلى النهر ثُم إلى السلط.

إن تلك الطريق كان يسلكها المتبوعون أو الهاربون، وهم الخارجون على الدولة الملاحقون من قبله. وفي اللغة يُقال اتّبع فلانًا: أي سار وراءه ولاحَقَهُ وطارَدهُ، ويقال تبع فلاناً أي تلاه ولحق به، وفي القرآن: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُون}. (6)

إن أولئك المتبوعين الفارين لجأوا إلى الواد الأحمر لأنهم تَمردوا على الدولة وعصوا أمرها وفعلوا ما يَستوجب عقوبتها ففروا بحياتهم لمكان يَعصمُهم من سطوة الدولة وقبضتها، ولا تزال بعض المُغر الكبيرة تُسمى في جنبات الواد الأحمر (معاصي) لأنها عَصيّة، وليس من السَّهل بلوغها أو السيطرة عليها، وربما لأن الخارجين على الدولة استعصَوا ولاذوا فيها طلبًا للمأمن.

بذلك، شكلت جُغرافية الواد الأحمر مَلاذاً للعصابات الثورية تاريخياً، فصعوبة التضاريس ووعورة المسالك وانعدام الطرق السالكة للجبال الوعرة، والوفرة الغذائية والمائية، وانتشار الفلاحين ورعاة الأغنام على امتداد تلك السُّهوب والجبال؛ كلها عوامل جعلت من العسير أن تسقط العصابات أو المجموعات الثورية بسهولة في قبضة الدولة، فضلاً عن الامتداد الكبير الذي يشكل مساحة واسعة للفرار بعيداً عن التجمعات السكينة في منطقة أشبه ما تكون بالجبال القاحلة والمتاهة  لمن لا يعرف جُغرافيتها جيداً.

قصة أبو كباري

تاريخياً، تلك العوامل الطبيعية والبشرية هي ما جعلت (الفرارات)- الذين رفضوا الجُندية العثمانية في الحرب العالمية الأولى- يفرون إلى الغور مُعتصمين بسلاحهم، مؤثرين التمرد على الجندية التي كانت تسوقهم بعيدًا عن الأوطان حيثُ لا رجعة من تلك الحرب، إذ إن لا سبيل للإمساك بهم أو حتى العثور عليهم في الغور النابلسي. ولم يكد عهد الجُندية العثمانية وفراراتها يَنتهي حتى كان أحمد عديلي الشهير بـ (أبو كباري) ورفاقه قد شكلوا أول مجموعة ثورية في بداية العشرينات من القرن الماضي.

تَفرر أبو  كباري على قضايا جنائية في قرية بيتا، ثُمَّ لحق به صالح أبو سليقة من قرية عقربا وحميدة من قرية عسكر. على إثر ذلك، لاحقتهم الحكومة من أجل اعتقالهم، بيد أنهم فروا بحياتهم إلى الغور مُستفيدين من جغرافية الواد الوعرة وتعاطف الفلاحين معهم وتوفير المأوى والطعام والشراب، ليغيبوا عن قبضة الدولة عدّة سنوات قبل أن تنتهي أسطورتهم الثورية في نهاية العشرينات في كمين عند (طلوع زعترة). (7)

تَغنى الفلاحون في مشارف الغور الذين عرفوا أبو كباري به وبثورته، كما اعتبروهم ثواراً جديرين بالبطولة، خصوصًا أنهم كانوا ظهيرًا لهم طوال وجودهم في الأغوار والواد الأحمر، فنسمع مثلًا غناء النسوة في المناسبات يُنشدن عن رفض الجندية ولبس الزي العسكري أثناء حكم الانتداب البريطاني: (8)

طول عُـمـري وزماني .. والله ما ألـبــس الثّوبَ لِخْضاري لو يحكموني حُكم أبو إكباري .. راسي ما إطوّع لهيك ازبونا طول عُـمـري وزماني  ..  والله ما ألـبــس بـدلـه ركــيكـة لو يحبسوني حَبس أبو سليقه .. راسـي ما إطوّع لهيك ازبونا

في تلك الفترة، كان الواد الأحمر وعلى امتداد مَجراه وما حوله من تلال وسهول ملاذاً لكل المُلاحقين على قضايا جنائية، الذين لو أمسكت بهم الحكومة البريطانية لزجت بهم في السجن أو عَلقت لهم أعواد المشانق.

قصة أبو جلدة والعرميط

أبو جلدة والعرميط

 ومن بين أولئك الذين حَلّوا بالواد الأحمر طلباً للنجاة أحمد المحمود من قرية طمون (أبو جلدة) وصالح العرميط من قرية بيتا وذلك في بداية الثلاثينات، وقد جَمعت بهم الشقاوة خلال سنوات مطاردتهم بمجموعة من فتوة الأشقياء المَطلوبين للحكومة، ومنهم: خميس العقرباوي وعبد الله البيروتي من عقربا، وصادق أبو حيط من بيت فوريك، وفريد العسعس من المزرعة الشرقية، وسعود لِعمير من حوارة، وسعيد الحاج من خربة أبو فلاح، وتركي عديلي من أوصرين، وإبراهيم الأشرم من عصيرة القبلية،  وداود أبو حماد وفواز أبو هواش من عقربا، إضافةً إلى عشرات المطلوبين للحكومة على قضايا اجتماعية وجنائية وسياسية.

وقد لمع صيت أبو جلدة والعرميط خلال سنوات 1930-1934، حيث شكل أبو جلدة عُقدة صَعُبَ حَلُّها لعدة سنوات، كما كانت إقامته في الواد الأحمر (لفجم) شتاءً وفي قرية يانون صيفًا محور قصصه الأسطورية، ولا تزال الأماكن التي نزل بها مُعتصمًا بسلاحه تُكسِب الوادي الأحمر مزيدًا من الهيبة.

أحبّ الفلاحون أبو جلدة ولقبوه (الملك أبو جلدة) ووفروا له الحماية وما يلزم لبقائه وبقاء صورته البطولية؛ الأمر الذي أزعج حكومة الانتداب البريطاني التي أدركت أنه يتحتّم عليها اختراق الغور النابلسي وملاحقة أبو جلدة في الواد الأحمر، وذلك عبر التضييق على من يُوفر له الحماية، فأقامت مخافر للبوليس في العام 1932 في مدينة أريحا وقرية عقربا ومنطقة الجفتلك، وذلك بهدف ملاحقة أبو جلدة وتضييق الخناق عليه في المثلث الجغرافي الواقع بين هذه المخافر الثلاثة.

دفع  هذا التضييق وتسيير الدوريات الراجلة أو الخيّالة ما بين أريحا – فصايل – الجفتلك على طول الشريط الشرقي للغور النابلسي، والدوريات التي تنطلق من عقربا غرباً باتجاه المنطقة الشرقية من الغور، حيث منطقة (لفجم) في الواد الأحمر وعيون الماء في جنبات الواد الأحمر (الجهير- الدّوا- بير أبو الدرج – الحفيرة – عيون مانع- السخن) أبا جلدة والفرارات الذين معه لشن هجوم على تلك الدوريات ومهاجمة عناصرها، مُستغلين صعوبة وصول الإمدادات والدوريات العسكرية لهذه المنطقة، ومُشكلين بذلك ظاهرة حرب العصابات التي تجسدت صورتها بشكل حقيقي في ثورة 1936- 1939 في تلك المنطقة.

على إثر ذلك،  تغنّى الناس بـ(أبي جلدة) ونسجوا اللحن المُقاوم الذي يُعبر عن ذواتهم على لسانه: (9)

قال أبو جلدة وأنا الطمـوني .. بالغور عَجعج لهيب بارودي قال أبو جلده يا خويا صالح  .. اضرب لا تخطي العمر رايح قال أبو جلده الأهل ما بتنفع  .. عندي باروده تخاوي المدفع قال أبو جلده الأهـل غـدّاره  .. عندي باروده تخاوي الطيّاره

كان إعدام أبو جلدة والعرميط في القدس عام 1934 مُفجرًا لحالة السخط لدى الفلاحين الذين كانوا ينتظرون الشرارة التي تُشعل فتيل الغضب في مواجهة الاحتلال البريطاني، غضبٌ كان قد انفجرت شرارته الأولى على يد مجموعة الشيخ عز الدين القسّام الذي كان من المُقرر له أن يبدأ مشروعه الثوري في الواد الأحمر، حيثُ ذكر المجاهد عربي البدوي- وهو رفيق الشيخ عز الدين القسام وأحد المُعتقلين في معركة يعبد- أنهم كانوا قبل أيام من المعركة قد انقسموا إلى مجموعتين يقود الشيخ فرحان السعدي إحداهما، والثانية كانت بقيادة الشيخ القسام، كما ذكر أنهم كانوا قد افترقوا لحشد الناس وتحريضهم على الثورة على أن يلتقوا بعد عدة أيام في الواد الأحمر . (10)

أدى انكشاف مجموعة القسام والاشتباك غير المُخطط له إلى استشهاد المجاهدين واعتقال رفاقهم. وعلى إثر ذلك، لم يتمكن الشيخ القسام من بلوغ الواد الأحمر كما كان مُخططاً لهم ليكون مركز ونواة البؤرة الثورية التي تسمح لهم بالقيام بحرب العصابات وإعلان الثورة على الاحتلال البريطاني.

بعد عملية الثأر التي نفذها الشيخ فرحان السعدي للقسام ورفاقه على طريق نابلس طولكرم في 15 نيسان 1936 وبدء الشرارة الأولى للثورة،كان فرارات الغور ومنهم خميس العقرباوي وعبد الله البيروتي وفريد العسعس وصادق أبو حيط وتركي عديلي وسعود لِعمير  وإبراهيم الأشرم قد التحقوا بالثورة،  مُشكلين فصائل الثورة في منطقة مشاريق نابلس والأغوار، ليشهد الواد الأحمر والغور النابلسي بذلك عدة معارك مهمة في بداية الثورة، قبل أن يتوسع نفوذ هذه الفصائل ليشمل منطقة نابلس وشرق رام الله وأريحا، وأخيرا انتقال عبد الله البيروتي بأمر من عبد الرحيم الحاج محمد إلى منطقة الخليل والجنوب.

وقد خبّأ الواد الأحمر بين جنباته عددًا من قادة الثورة، منهم: الشيخ عبد الفتاح المزرعاوي، وحمد زواتا، وسليمان القنه من كفر قليل، وأحمد وحافظ النجداوي قادة فصيل السلط، وسالم السيخ من الخليل، وحلمي بكري من نابلس.

ما سبق يقودنا إلى مفهوم الجغرافيا الثورية، تلك الجغرافيا المنيعة التي دفعت عبر تاريخ طويل كل الخارجين على الدولة، الثائرين لأجل العدالة إلى اللجوء للواد الأحمر، ومثلهم المُهربون وقُطّاع الطرق الذين وجدوا في الواد الأحمر مكانَ غِناهُم وأحلامَ فروسيتهم. هنا، لا نستطيع أن نُغفل دور الجغرافيا في الواد الأحمر في مُساعدة قطّاع الطرق والمهربين للبضائع الذين شَكّل الواد ملاذًا لهم وَمَكمَنًا جيدًا لانتقاء الطرائد والمكاسب، فإن كان الثائر قاطع طريق بمشروع سياسي كما يقول جيفارا في حرب العصابات، فإن قاطع الطريق ثائر بلا مشروع سياسي كما يقول الباحث باسل الأعرج.

.

في هذا السياق، لا يمكننا أن نتغاضى عن أن الواد اكتسب شُهرته بالدرجة الأولى من هؤلاء الذين قطعوا طريق القوافل في الفترة الرومانية، ليظلّ بذلك ملاذًا لأمثالهم طوال التاريخ، فعزلة المكان وبُعده ومشقة السير فيه تُساعدهم على نيل مُرادهم.

حقًّا، هناك عشرات القصص وعشرات الأبطال الذين تَعتبرُهم المُجتمعات القروية فُرساناً وقبضايات ممن كانوا يُمارسون “اللصوصية” التي لم تكن عَيباً في تلك المجتمعات، كونها كانت ضد الدولة والقوافل والإقطاعيين وضد مشايخ وزعامات المنطقة الذين يستغلون الفلاحين ويسحقونهم بالعبودية الزراعية في مزارعهم وأراضيهم.

ولعل أشهر أبطال الغور وَفُتُوتهم (عبد المنعم الشيخ ذيب) الذي قُتل في كمين على يد الشرطة البريطانية عام 1928 أثناء تَوجُهه من الواد الأحمر إلى بلدة عقربا. تصفه الروايات الشعبية بصفات خارقة وفروسية نادرة ويتجسد ذلك بالشعر الشعبي الذي يَتغنى به: (11)

عبد المنعم يا خو البنت .. ما تقول لي يوم اوقعت طق الشظايظ ما سمعت .. بالسّـاعة نـوخذ بـثاره

لقد كان هؤلاء الأشقياء ،كما تصفهم الدولة ،حالة عَصية على الهزيمة وظاهرة ليست هيّنة في الأغوار، حتى اضطرت سلطات الانتداب البريطاني لمعاقبة القرى التي ينتمون لها عبر تدفيع تلك القرى (القشطة)،  وهو ما يتم تقشيطه وسلبه من قبل الأشقياء واللصوص في منطقة نفوذ هذه القرى. (12)

وكجزء من تاريخ الواد وتاريخ الثورية المُنبعثة من جغرافيته، لا بُد هنا من الإشارة للمهربين الذين تزخر الذاكرة الشعبية في مشارف الغور بحكاياتهم، وخصوصاً التهريب فترة الانتداب البريطاني كتهريب السلاح من سوريا وشرق الأردن عبر الأغوار لفلسطين، وكذلك تهريب السجائر والقماش والملح والكبريت وبعض المواد التموينية التي كان يُمنع الاتجار بها من غير ترخيص من الاحتلال البريطاني. ولقد كانت تلك الظاهرة (التهريب) تشكل مصدرَ دخلٍ أساسي لقرى شرق نابلس في سنوات الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الأولى (1967-1970)، إذ دفع العشرات حياتهم ثمنا لذلك، حيث تم رميهم بالرصاص في طُرق ووديان الغور، ولا تزال جثث العشرات منهم مُحتجزة في مقابر الأرقام.

وليس ببعيدٍ عنا صدى العمل الفدائي والدوريات التي عَبرت النهر في نهاية عقد الستينات وبداية عقد السبعينات، ومرت من الواد الأحمر واستقرت فيه لتمضي من هُناك إلى الداخل المُحتل لتنفيذ عمليات فدائية ضدّ المُحتل. وصلت بعض تلك الدوريات لهدفها وأتمّت مهمتها بنجاح، فيما كتبت لأبطال آخرين النهاية بشجاعة في أزقة الواد الأحمر وبين جنباته، فسطروا بالرصاص الفصل الأخير في سيرتهم. إنها صَفحَةٌ جديرة بأن يُنثر عبيرها وأن تدون، وستكون محور حديثنا عن الواد الأحمر في المقال القادم إن شاء الله.

****

الهوامش:

(1) الطور الصخري: مغارة صخرية طبيعية تُشكل سداً طبيعياً في نهاية الواد. 
(2) أحمد إبراهيم أبو هدبة: فدائي فلسطيني من مواليد قرية عقربا 1947 شارك في دورية عبرت النهر عام ،1968 واعتقل في معركة في الواد الأحمر.سجل مُذكراته وهي قيد الإعداد للنشر.
(3) إفجم: لفجم (إفجم) سهل واسع وكبير إلى الشرق من بلدة عقربا في الغو،ر ويعتبر من أخصب أراضيها الزراعية الغورية ويحيط بها من كافة الجهات جبال وعرة صعبة التضاريس، فيما يخترقه الواد الأحمر (واد لفجم) ويسير شرقاً ثم جنوباً نحو فصايل.
(4) جريسمان، ديفيد، دليل إسرائيل، الموسوعة المستخدمة لمعرفة أرض إسرائيل، المحرر اريه يتسحق، منشورات وزارة الدفاع الإسرائيلي، ط1، 1980.
(5) خربة طانه (تآنه شيلو): خربة أثرية مهمة وجدت بها لُقى وآثار من الفترة البرونزية، وكانت قرية في الفترة الرومانية ووردت في المصادر التي تحدثت عن تاريخ فلسطين الأثري، ولا تزال بعض آثارها قائمة. انظر: بلادنا فلسطين ، مصطفى مراد الدباغ، الجزء الثاني، القسم الثاني.
(6) سورة الدّخان، الآية 23.
(7) طلوع زعترة: المنطقة التي تُعرف اليوم بحاجز زعترة الذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها في طريق نابلس – رام الله، وقد شهدت المنطقة أهمية كبرى في ثورة 36-39 وجرت عدة عمليات بطولية في الموقع. 
(8) مقابلة شفوية 5/4/2010: الحاجة فوزية الحج 1936، زوجة صالح أبو سليقة أحد رواد النضال الفلسطيني ورفيق أبو إكباري في محموعته الثورية (1921-1927). 
(9) هذه الأبيات جُمعت في الفترة (2007-2011) وستنشر جميعها في عمل يوثق لبطولة أبو جلدة والعرميط. 
(10) حول مذكرات عربي البدوي غير المنشورة طالع كتاب (قبلان: دراسة تاريخية واجتماعية 1596- 2009) لمصطفى محمود عايد.
(11) قصيدة طويلة للشاعر الشعبي وعازف الربابة أبو عيسى محمد بن عيسى العقرباوي يذكر فيها بطولات عبد المنعم الشيخ ذيب وتفاصيل مقتله على مشارف عقربا في الواد الأحمر.
(12) مقابلات شفوية مع مختار وكبار السن في عقربا، وقد دفعت القرية بحسب شهاداتهم عدة قشطات قبل أن تحمي الغور وتمنع التقشيط في الجزء التابع لها (من فصايل جنوباً حتى الجفتلك شمالاً).