منذ السنوات الأولى لانتفاضة الأقصى، ظلّ ما يُعرَف صهيونياً بـ”غلاف غزة”- أيّ المستوطنات التي أُقيمت على أنقاض عشرات القرى الفلسطينية في قضاء غزة، التي دمّرتها وهجّرتها العصاباتُ الصهيونيةُ في عام النكبة- تحت نار المقاومة الفلسطينية التي طوَّرت أدواتها تصاعديّاً، لتصل إلى معادلةٍ تفرض على المستوطنين، من خلالها، البقاءَ لأيامٍ طويلةٍ في الملاجئ والتفكير باتّجاه خيار الهجرة الداخلية.

وخلال الحروب الأخيرة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية ضدّ الجيش الصهيوني في غزة، وبعد انطلاق مسيرات العودة على حدود قطاع غزة وما رافقها من نشاطاتٍ لوحدات المقاومة الشعبية، التي تخلّلها إطلاقُ البالونات الحارقة باتجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع، مُخلِّفةً خسائرَ كبيرةً في المزارع والحقول الاستيطانية، تصاعد النقاش داخل المجتمع الصهيوني حول مستقبل المستوطنين في المنطقة؛ بمعنى هل يمكن أن تفرض المقاومة على العدوّ الصهيوني خيارَ إجلائه في أيّة مواجهةٍ قادمةٍ، خصوصاً في ظل واقعٍ تاريخيٍّ يزخر بقصص بطولاتٍ كبيرةٍ خاضها أهالي قضاء غزة ضد الصهاينة، وشهدت هروباً للمستوطنين من المكان؟ هذا ما تحاول المقالة الإجابة عليه عبر استحضار تجاربَ طويلةٍ من الهجوم والهجوم المضادّ في قرى وبلدات قضاء غزّة*.

يمكنكم قراءة وتحميل المقالة بصيغة (pdf) من هنا

*****

جغرافيا الاستيطان في قضاء غزّة

يُطلق الاحتلال مصطلح “غلاف غزة” على المستوطنات و”الكيبوتسات”، التي تقع في محيط سبعة كيلومتراتٍ حول قطاع غزة، وعددها سبعٌ وخمسون مستوطنةً، تأّسس عددٌ منها قبل عام النكبة، وجزءٌ آخرُ منها بُني لاستيعاب المستوطنين الذين تمّ إجلاؤهم من شمال سيناء بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” مع مصر في العام 1978. وفي أوائل التسعينيات، طوّر الكيان الصهيوني “غلاف غزّة”، بهدف استيعاب المهاجرين الروس إلى فلسطين المحتلة.

أمّا “لواء غزة” بالتعريف الذي بقي متعارفاً عليه، حتى اقتراب نهاية الاستعمار البريطاني لبلادنا، فكان يمتدّ على مساحة 1111.5 كيلومترٍ، لم يكن الصهاينة يسيطرون إلّا على ما يقارب الـ 4% من أراضيه. وقد ضمّ جزءاً من السهل الساحلي الفلسطيني وبئر السبع، وكانت أكبر مدنه في هذه الفترة: غزة، والمجدل، وخانيونس، كما ضمّ القضاء ثلاثاً وخمسين قريةً وبلدةً. [1]

كما شهدت أراضي قضاء غزة إقامةَ عددٍ من التجمعات الاستيطانية، أو كما تُعرف صهيونياً بـ”المجالس الإقليمية”، مثل: “بئير طوفيا، وحوف أشكلون، وأشكول، وسدوت هنيجف، وشاعر هنيجف، ولخيش”، التي تندرج ضِمنَها “كيبوتسات” ومستوطناتٌ ممتدّةٌ على أراضينا الفلسطينية؛ من بينها: “كيبوتس جفرعام” الذي تأسّس في العام  1942 على أراضي الحليقات، وسمسم، وبرير، وبيت جرجا، وقد دمَّرته القوات المصرية عام 1948، و”كدمه” على أراضي الجلدية، وتلّ الترمس، بالإضافة لـ”كيبوتس سعد” الذي أُقيم في العام 1947 على أراضي القُبة شرقي غزة، وقد تعرّض للتدمير في عام النكبة. كما أُعيد تأسيس “تموريم” في العام 1954 على أراضي تل الترمس، ويضمُّ مهاجرين صهاينةً غالبيتُهم من جنوب أفريقيا، فضلاً عن “كيبوتس عروجوت” المبني على أنقاض تلّ الترمس وبلدة القسطينة، ويعيش فيه مستوطنون من أصولٍ رومانيةٍ وبولنديةٍ. [2]

فيما أُقيم “كيبوتس بني رنيم” على أراضي قريتي المسميّة الكبيرة والصغيرة في العام 1949، و”حتصاف” على أراضي ياصور والمسميّة الكبيرة، و”ناحل عوز” على أراضي قرية القُبة المُهجّرة، و”كيبوتس أوروت” على أراضي البطاني الشرقي والقسطينة، ويضمّ مستوطنين قادمين من الولايات المتحدة الأمريكية، و”غان هدروم” المُقام شمال شرق أسدود، و”مِنوحه” على أراضي الجُسير وصُمَيل، و”كيبوتس نوجا” الذي تأسّس على أراضي بلدات كرتيّا وعراق السويدان وكوكبا في العام 1955، و”نير عوز” شرق خزاعة، و”كيبوتسا علوميم وعيزر”  فمبنيّان على أراضي وحيدات الترابين والقُبة، وأسدود والبطاني الغربي. [3]

أمّا مستوطنة “نتيفوت” المُقامة بين غزة وبئر السبع فقد عانت في العام 2008 من بطالةٍ جرّاء استهداف المُقاومة المُتكرّر لها بالصواريخ بين مستوطنيها الروس.

وكحال بقيّة بلادنا، لم تكن سيطرة الحركة الصهيونية على الأراضي وشراؤها من الفلسطينيين سهلاً ميسوراً في قضاء غزة، لكن رفض معظم الفلاحين البيعَ للصهاينة واعتبارهم بيع الأرض أكبرَ الشرور، لم يمنع بعض الوجهاء من تأجير أو تسريب أراضٍ للمستوطنين، كما في حكاية إقامة مستوطنة “ياد مردخاي” قُرب قرية هربيا قبل النكبة، على أراضٍ باعها حافظ العلمي للصهاينة، الذي لا يزال قصرُه حتى اليوم قائماً في أراضي قرية هربيا المُهجَّرة. [4]

ومع ذلك، لم تكن ما يُمكن تسميتها ببدايات الاستيطان الصهيوني في قضاء غزة مريحةً وسهلةً. ففي العام 1886، حاول الصهاينة إقامة مستوطنةٍ على أراضي قرية بيار تعبيا، بتمويلٍ من البارون “إدموند جيمس دي روتشيلد”، بغرض استيعاب المستوطنين القادمين من صربيا الذين كانوا يسكنون مستوطنة “ريشون لتسيون”، لكن الدولة العثمانية رفضت ذلك.

وبعد الحرب العالمية الأولى، عاود الصهاينة المحاولةَ مجدداً، ويسجّل التاريخ الشفوي لأهالي قضاء غزة مهاجمة المستوطنة وتدميرها قبل أن تقوم لها قائمةٌ، ليعاود الصهاينة بناءها في العام 1930 بعد منحهم سلطات الانتداب البريطاني مساحاتٍ من أراضي قرى بيار تعبيا، والقسطينة، وبيت دراس. وقد استُخدمت المستوطنة لمهاجمة القوات المصرية خلال حرب 1948، وتتبع حالياً للمجلس الاستيطاني “بئير طوفيا”، ويسكنها 900 مستوطن، وفقاً لإحصائيات عام 2011. [5]

قضاء غزّة شاهداً على الثورة الكبرى (1936)

كتب الفلسطينيون في قضاء غزة، خلال الثورة العربية الكبرى التي عمّت البلاد ابتداءً من العام 1936، فصلاً مجيداً في المقاومة الباسلة، منفّذين كمائنَ وعملياتِ استهدافٍ للمستوطنات الصهيونية والقوات البريطانية التي كانت تعبر الطرق المُلغَّمة بالقنابل والمقاومين.

تشير الرواية الرسمية الصهيونية حول أحداث هذه الثورة إلى أنّ الردّ على مجزرة يافا في شهر آب/أغسطس من العام 1938، بعد تفجير عصابة “الإيتسل” قنبلةً في سوق المدينة، ما أدّى لاستشهاد 24 فلسطينياً، جاء بعضُه من قرى غزة، حيث نصب المقاتلون الفلسطينيون كميناً قرب قرية المسميّة، وشنّوا هجوماً على قافلةٍ صهيونيةٍ واشتبكوا معها، ما أسفر عن مقتل ثمانية صهاينة.

كما شهد العام 1939 مقتلَ سبعة صهاينةٍ في هجماتٍ متنوعةٍ قُرب مستوطنة “نيغبا” المُقامة قُرب بلدة بيت عفا المُهجّرة. [6] إضافةً لذلك، شارك ثوّارٌ من قضاء غزة في هجماتٍ على مراكز شرطة الانتداب البريطاني في بئر السبع واللواء الجنوبي من فلسطين عامةً، مُغتنِمةً الثورة الفلسطينية من هذه الغارات أسلحةً وذخائرَ مُختلفةً. [7]

الهجرة .. عودٌ على بدء

يروي تاريخ “الهاجناه” كيف تسبّبت الغارات التي شنَّها الجيش المصري والمتطوعون والمجاهدون معه، خلال معارك عام 1948، بهروب الصهاينة من مستوطناتٍ عديدةٍ في قضاء غزة وجنوب فلسطين بشكلٍ عامٍّ. ويمثّل خروج المستوطنين المتكرّر هروباً من الهجمات العربية ضربةً للأسطورة التي يحاول الصهاينة دائماً خلقها حول المستوطن، بوصفه ركناً من أركان البقاء والقتال لتعمير الأرض واسترداد الحق فيها، ممّا يذكّرنا بهجمات جيش الجهاد المُقدس التي دفعت بالمستوطنين الصهاينة إلى تفكيك تجمع “غوش عتصيون” الاستيطاني شمال الخليل، بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بهم في معارك وكمائن الدهيشة، وواد السرّ، وصوريف، وغيرها.

بذلك، لم يتوقّف نقاش خطّة إجلاء المستوطنين، أو تهجيرهم، عن الحضور في المشهد الصهيوني طوال سنوات الصراع مع أصحاب الأرض، بلّ لا يزال يتصاعد، لا سيّما أثناء وبعد الحروب التي خاضها العدوّ ضدّ المقاومة الفلسطينية في غزة، بحثاً عن حلٍّ قبل المواجهة القادمة، فضلاً عن تخوّفات جيش العدو من جبهته الشماليّة، ومستوطنات الجليل، المعرّضة للقصف أو الاحتلال من قبل المقاومة اللبنانية.

 زاد القصف العنيف، الذي تعرّضت له مستوطنات قضاء غزة خلال 50 يوماً من القتال مع المقاومة الفلسطينية أثناء حرب العام 2014، من غضب وسخط المستوطنين على حكومتهم التي لم توفّر خطةً لإجلائهم تحت ذرائعَ مختلفةٍ؛ بعضها اقتصاديٌّ، فضلاً عن “القِيَم الصهيونية”، التي تحظر إخلاء المستوطنات أو الهروب منها، إلا أنّ التاريخ يخبرنا عن مرّاتٍ عديدةٍ اضُطرّ فيها المحتلون للهروب من مستوطناتهم على وقع المعارك العسكريّة المجاورة. فخلال احتلال جنوب لبنان، أفشلت المقاومة مشاريعَ استيطانيةً، أبرزُها مشروعُ المستوطن الأمريكي “وليم روبنسون”، بدعمٍ من الجيش الصهيوني، لإقامة مستوطنةٍ في راشيا الفخار، وذلك قبل أن تُعدمه جبهة المقاومة اللبنانية بعدّة رصاصاتٍ في شهر آذار/مارس من العام 1993. [8]

وأثناء الحرب الأخيرة، لم ينتظر الصهاينة في مستوطنة “نتيف هعتسرا”، الواقعة مباشرةً على السياج الفاصل بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة، تعليماتِ جيش العدوّ لإخلائهم، في حين لم يعُدْ الفرار فردياً، بلّ جماعياً، تحت ضربات المُقاومة.

كما ضاعف من غضب المستوطنين، وقتها، امتناعُ وزير الحرب الصهيوني “موشيه يعلون” عن زيارة المستوطنات، خاصةً “ناحل عوز” التي سقط فيها قتلى بفعل قذائف الهاون التي أمطرت المنطقة طوال الحرب.

يتّضح ممّا تقدّم أنّ للمستوطنين في قضاء غزة وجنوب فلسطين تاريخاً طويلاً من الفرار تحت النار، ففي شهر أيار من عام النكبة، اضطر العدوّ الصهيوني للهروب بقواته ومستوطنيه من مستوطنة “ياد مردخاي”، بعد هجماتٍ واشتباكاتٍ عنيفةٍ مع الجيش المصري، الذي أزال وقتها عقبةً أمام طريقه نحو المجدل.

لم تختلف هذه الحال مع مستوطنة “نيتسانيم”، التي كانت قد أُوكلت مهمة الدفاع عنها للكتيبة الثالثة من لواء “جفعاتي”. فبعد هجومٍ شنّه عليها الجيش المصري والمتطوّعون معه في السابع من شهر تموز بالعام 1948، اضطر الصهاينة للهرب منها تحت القصف المصري، حيث أسفرت المعركة عن سقوط ثلاثةٍ وثلاثين قتيلاً، عدا عن استسلام جزءٍ آخرَ من القوة المدافعة التي حاولت الهروب عبر البساتين، لكن الحصار المصري حالَ دون ذلك. [9]

وخلال حرب النكبة، أُجبر الصهاينة على إخلاء مستوطنة “كفار داروم”، بعد أن استُنزف المقاتلون والمستوطنون بداخلها. ورغم تسُّلل قوةٍ من كتيبة “الكوماندوز” التابعة للواء النقب إليها، في محاولةٍ لإخلاء الجرحى وإمداد المستوطنة بالمؤن، إلا أن القوة حوصرت أيضاً لثمانية أيامٍ، قبل أن تنجح بالفرار، ويتمّ إخلاء “كفار داروم” تحت الهجمات المصرية. [10]

(مقاتلون عرب، 1948، فلسطين)
(مقاتلون عرب، 1948، فلسطين)

عن الرصاص الذي قاتل  “ثعالب شمشون”

أطلَّ عام 1948، وما سبقه من أحداثٍ، على الفلسطينيين في قضاء غزة كحال بقية البلاد، حاملاً نُذر الحرب والقتال، فسعى أهالي القرى والبلدات في القضاء لامتلاك ما يتوفّر من سلاحٍ خفيفٍ لا يسدّ الرمق أمام ما كان يمتلكه الصهاينة من عتادٍ وفّر الجيش البريطاني قسماً كبيراً منه.

باع الفلاحون ذهب نسائهم، ومنهم من رهنوا كرومهم لشراء بنادقَ معظمُها لا يقوم إلا بأبسط مهمات القتال، وبأسعارٍ باهظةٍ، نظراً لواقع الفلاحين في بلادنا من فقرٍ وضرائبَ قاسيةٍ كان يفرضها عليهم الانتداب البريطاني، فضلاً عن أنّ حياتهم كانت رهينةً لنجاح المواسم الزراعية. وقد كان ثمن البندقية يتراوح بين (80- 90) جنيهاً فلسطينياً. [11]

واضطُرّ أكثر من 30% من الفلّاحين في قضاء غزة للعمل كأجيرين في حقول ومزارع كبار الملّاكين بأجورٍ زهيدةٍ، بينما لم يتملّك 50% منهم سوى أراضٍ صغيرةٍ لا تزيد مساحتها عن عشرة دونمات، وبعضهم استأجر أراضيَ من كبار الملّاكين، وزرعوها بالمشاركة. [12

تكوّنت القوى التي اشتركت في القتال على الجبهة الجنوبية لفلسطين وقضاء غزة من المتطوّعين الفلسطينيين والعرب، والجيش المصري، إضافةً لمقاتلين من السودان والسعودية. وعانى هؤلاء جميعاً من ضعف السلاح والإعداد والتجهيز، وغياب القرار الرسمي العربي بالدخول “الجادّ” في المعارك. وبينما بدأ المقاتلون الفلسطينيون مواجهة العصابات الصهيونية مُبكّراً، بجانب تسلّل متطوّعين من الإخوان المسلمين إلى فلسطين عن طريق سيناء، فقد دخل الجيش المصري المنطقةَ في 15 أيار من عام النكبة. [13]

بالمقابل، لم تكن مهمة جيش الانتداب البريطاني محصورةً في توفير الدعم “اللوجستي” للعصابات الصهيونية، بما يشمل السلاح والعتاد وتوفير المعلومات الاستخباراتية والخرائط، بلّ كان يتدخّل لمنع الفلسطينيين من مهاجمة القوافل الصهيونية والمستوطنات.

وخلال حرب النكبة وما قبلها، توجَّه ضباطٌ من جيش الاحتلال البريطاني إلى قرية برير، وطلبوا من سكّانها وقف شنّ الهجمات على القوافل الصهيونية المتّجهة من النقب إلى شمال فلسطين؛ وقوبلوا  بالرفض القاطع، بينما استمرّ الفلاحون بالتصدّي للقوافل بمساعدة “فزعات” أهالي القرى والبلدات المجاورة؛ نجد وحليقات والفالوجة وبربرة. [14]

وفي 19 نيسان/أبريل 1948، استيقظ أهالي قرية برير على إقامة الصهاينة مستوطنةً شمال شرق القرية، فبادروا بالهجوم عليها في محاولةٍ لتدميرها، رافضين أيضاً مشروعاً بريطانياً يقضي بإقامة خطِّ مياهٍ يمرّ من الفالوجة عبر أراضيهم لتغذية المستوطنات في النقب، وذلك رغم محاولة الإنجليز إغواءَ أهالي القرية  بمدّ القرية بالمياه مقابل سماحهم بسير الخطّ المائيّ. [15]

برير التي يصفها الصهاينة بـ”قرية السفّاحين”، [16] تمكّن أهلُها من قطع الطرق أمام القوافل القادمة من مستوطنات النقب، بعد أن حفروا خنادقَ عميقةً في الأرض، إضافةً إلى الألغام الأرضية التي زرعها المقاتلون على طول الطرق التي تمرّ بمحاذاة القرى والبساتين. “كنّا نمرّ بتوتّرٍ لا يُمكن تخيله، كانوا يعرفون سلفاً أنّ اللغم لن يتجاوزهم، عاجلاً أو آجلاً سينفجر تحت هذه المُصفحة أو تلك، فانتظرَ كلُّ واحدٍ دورَه”، هكذا وصف أحد أعضاء “لواء النقب” الأخطار التي كانت تواجههم خلال المرور في قضاء غزة. [17]

وفي شهر مارس/آذار من العام 1948، توقّفت القوافل عن السفر إلى النقب، واضُطرّ الصهاينة حينها لاستخدام طائرتيْ “البريموس” التابعتين لـ”سرب النقب”. آنذاك، كان ينتشر حول برير مناضلون من عشيرتيْ الثوابتة والسواركة؛ يُقدِّر “عارف العارف” عددهم بعشرين فرداً، بالإضافة لعشرات المُقاتلين في قرى سمسم، ودمرة، ونجد، وحليقات، والمنصورة، وعراق سويدان. [18]

هاجمت قوةٌ كبيرةٌ من لوائيْ “النقب” “وجفعاتي” قرية برير عام 1948، وأعملتا فيها قتلاً وتخريباً بعد أن قاومها مَن استطاع المقاومة، ليخرج أهلها “حُفاةً عراةً جياعَ الأكباد” على أملِ عودةٍ قريبةٍ. ولم تمنع السيطرة الصهيونية على أراضيها مَن تلهَّفتْ نفسُه شوقاً لها من أبنائها، أو من طَمح للحصول على تموينٍ من القمح والخزينة التي تركوها خلفهم من العودة لها. غير أنّ الطريق لم تكن آمنةً على الدوام، إذ ارتقى عددٌ منهم شهداءَ بفعل الألغام التي زرعها الصهاينة، أو قضوا رمياً بالرصاص. [19]

( العصابات الصهيونية في بير السبع الفلسطينية، 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1948)
( العصابات الصهيونية في بير السبع الفلسطينية، 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1948)

وتبرُّكاً بأسطورة “ثعالب شمشون الـ300″، التي وردت في “سفر القضاة”، أنشأت العصابات الصهيونية ما تُعرف بوحدة الجيبات “ثعالب شمشون” ضمن لواء “جفعاتي”، وأوكلت لها مهمّة القتال في محيط غزة للفصل بين القوات المصرية والقرى التي تمّ احتلالُها في القضاء. [20]

في أسطورة “شمشون الجبار”، يُطلق الأخير ثعالبه الـ300 في حقول الفلسطينيين بخانيونس ليحرقها ويخرّبها. وبهذه الروحية من القتل والإجرام، تحرّكت عناصر الوحدة كحال بقية أعضاء العصابات الصهيونية في قرى وبلدات قضاء غزة، كما حدث في قرية “بيت طيما” التي صمدت أمام عدّةِ حملاتٍ عسكريةٍ صهيونيةٍ حاولت إسقاطها، كان أولها في شهر شباط/فبراير عام 1948، لكن تصدي المدافعين عن القرية أفشل المحاولة.

وتروي المصادر الصهيونية أنّ العصابات تمكّنت من احتلال “بيت طيما” في شهر حزيران/يونيو من نفس العام، لكنّه كان احتلالاً قصيراً، إذ تمكّن الجيش المصري من استردادها مع قرى كوكبا وحليقات وبرير. لكن سرعان ما سقطت القرية نهائياً في شهر تشرين الأول/أكتوبر ضمن عملية “يواف” الصهيونية، حيث أُجبر أهلها على الهجرة عبر شاطئ البحر عبر بربرة وهربيا إلى بيت لاهيا وجباليا. [21]

ولا تزال تحفل ذاكرة من نجا وهاجر من “بيت طيما”، بصور المُسنّين الذين قتلتهم العصابات الصهيونية، بعد أن خانتهم قواهم الجسدية الضعيفة في النزوح، حيث أقدمت عناصر العصابات على تقطيع عددٍ منهم، وإحراق المحاصيل وقتل المواشي والأبقار. [22]

وفي “بيت دَرَاس” التي تقع في الشمال الشرقي من غزة على بُعد 32 كيلومتراً، أفشل المدافعون عن البلدة، بمساعدة نجداتٍ من قرى أسدود، وحماة، والمجدل، والسوافير، عدّةَ محاولاتٍ لاحتلالها. ورغم نصب العصابات الصهيونية مدفعاً على مدرستها لقصف البلدة وجوارها، إلا أنّ أحد المتطوعين، ويُدعى “داود”، تمكّن من قتل المسؤول عن المدفع بعد قطع رأسه وإحضارها إلى الأهالي لرفع معنوياتهم. كما يُروى أن فتاةً من البلدة كانت تقود المناضلين والمدافعين في وجه العصابات الصهيونية، بالإضافة للمشاركة النسائية في الدعم اللوجستي للمقاتلين، من نقلٍ للمياه وغيره من المستلزمات خلال القتال. [23] دفعت هذه المقاومة من أهالي “بيت دَرَاس” العصاباتِ الصهيونيةَ لتدمير منازلَ على أطرافها، إضافةً إلى إحراق الحقول والبيادر خارجها. [24]

وفي 21 من شهر أيار/ مايو عام 1948، طوّقت قواتٌ صهيونيةٌ كبيرةُ القرية من جهاتها الأربعة. وأمام هذا الحشد الكبير، قرر المقاتلون إخراج النساء والأطفال من المخرج الجنوبيّ للبلدة. وأثناء محاولة العائلات الانسحاب، اصطدموا بوحدةٍ من المُشاة الصهاينة كانت تنوي التسلُّل إلى داخل بيت دَرَاس، فبدأوا بإطلاق النار تجاه الأهالي، ما أدّى لارتقاء عددٍ كبيرٍ من الشهداء. [25] وفي رحلة هجرتهم، كان لاجئو بيت دَرَاس شهودَ عيانٍ على ارتكاب العصابات الصهيونية المجازرَ بحقّ سكان بلدة “حمامة” عن طريق القصف المدفعي الكثيف تجاه البساتين والبيوت. [26]

انتهت المقاومة الأسطورية التي قدّمها أهالي “بيت دَرَاس” ومقاتلوها، في ظلّ شُحِّ السلاح والعتاد والخبرات العسكرية، بسقوط البلدة، رغم المحاولات المصرية والسودانية استردادَها، نظراً لموقعها الاستراتيجي في قطع الطريق على العصابات الصهيونية، خصوصاً في ظلّ الحصار الذي كانت تشهده الفالوجة والمحاولات لاحتلالها، لكنها لم تنجح في نهاية المطاف. [27]

من جهتها، شكلّت بلدة “جسير”، التي تقع على بُعد 46 كيلومتراً شمالي شرق غزة، هدفاً للعصابات الصهيونية التي خطّطت لاحتلالها، لفتح الطريق إلى الفالوجة التي كان يتحصّن فيها الجيش المصري، حيث كانت تشكّل ما يشبه “المربط” بين قرى وبلدات القضاء، إذ عُرفت تاريخياً كواحدةٍ من محطّات الحجاج، التي أُقيمت بين الجسرين على وادي الجراح. [28]

انشغل أهالي “الجسير” في تحصين بلدتهم بالخنادق والدفاع عنها بما توفّر لهم من سلاحٍ خفيفٍ، بجانب “الفزعات” التي كان يُشارك فيها أبناء البلدة لنجدة أهالي الفالوجة وصدّ العصابات الصهيونية عن مركز شرطة عراق سويدان. [29]

وفي يوم الحصيدة؛ اليوم العاشر في شهر حزيران/يونيو عام 1948، كان آخرَ عهدِ أهالي قرية “جسير” بها، فبعد أن أخبر الجيش المصري الأهالي بالهدنة، خرج الرجال والنساء والمقاتلون إلى منطقة “الصيرفي” من أراضي القرية، تاركين سلاحهم وراءهم في البلدة، ليلحظوا قافلةَ “جيباتٍ” صهيونيةً قادمةً من طريق “تلّ الترمس”، تُطلق النار بشكلٍ عشوائيٍّ على الناس وتجاه الحصادين، “حتى صار الترابُ يعفر بين أقدامهم”. [30]

بعد تهجير أهالي “جسير” إلى القرى المجاورة؛ تل الصافي، وصُمَيل، وبركوسيا، وبعلين، هاجمت العصابات الصهيونية قرية تلّ الصافي التي تجمّع فيها عشراتُ اللّاجئين، ليخرجوا قسراً إلى بلدة “دير الذبان”، متوجّهين لاحقاً إلى إذنا في جبل الخليل. وبعد قطْعِهم طريقاً من الأشواكِ بأجسامٍ مُنهكةٍ، هاجمهم الصهاينة مرةً أخرى ليعاودوا اللجوء، وهذه المرة إلى خِرَب دورا جنوب الخليل، ليقيم الاحتلال على أراضي “جسير” مستوطنات “زفدئيل، ومنوحا، ونيريانيم”. [31]

تكاد تُجمع الروايات الشفوية لأهالي قرى قضاء غزة على أنّ الدعاية التي بثّتها العصابات الصهيونية بعد مجزرة دير ياسين، كانت أحد الأسباب الرئيسية في تهجير الناس وترويعهم، لا سيما بعد سماع قصص القتل والاغتصاب والتنكيل التي تعرّض لها كلٌّ من النساء والأطفال.

وخلال هجماتهم على قرى وبلدات قضاء غزة، كان مقاتلو “وحدة الثعالب” يردّدون نشيدهم:

“ثعالب شمشون عادت تغزو المكان
حاملةً لهيب النار في الليل
من غزة حتى غات”. [32]

في عام 2018، استشهد موقع “0404” الصهيوني بأسطورة “ثعالب شمشون”، مُشبّهاً مُطلقي البالونات الحارقة من قطاع غزة تجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع بـ”ثعالب شمشون” الحديثة التي تحرقُ الحقول التي هُجِّر منها أجدادهم قبل 70 عاماً. [33]

أبناء اللاجئين لا ينسون ثأرهم

بعد اتفاقيات هدنة “رودس” عام 1949، التي عُقدت بين دول الجوار العربية ودولة العدو الصهيوني، تقلّصت المساحة التي يسيطر عليها الفلسطينيون في قضاء غزة، إلى شريطٍ ساحليٍّ ضيّقٍ على شكل مستطيلٍ يبلغ طوله من أقصى الشمال عند بيت حانون إلى رفح جنوباً حوالي 45 كيلومتراً، ويبلغ عرضه حوالي الخمسة كيلومتراتٍ، حيث أضيقُ خاصرةٍ له عند مدينة غزة شمالاً، ليأخذ في الاتساع كلّما اتّجهنا جنوباً نحو رفح بمساحة 361 كيلومتراً مربعاً، [34] وهو ما أصبح يُعرف بقطاع غزة؛ وهي التسمية التي أطلقها عليه أحمد نجيب، أول رئيسٍ مصريٍّ بعد ثورة تموز/يوليو من العام 1952.

أتت نكبة العام 1948 على أهم الموارد التي قام عليها اقتصاد غزة وعلاقاتها مع جوارها من البلدات والقرى التي دمّرتها العصابات الصهيونية، إذ تشير الإحصائيات إلى أنّ أربعة آلاف دونمٍ فقط، من أصل مليونٍ كانت تُزرع بالحبوب، هي ما تبقّت للفلسطينيّ في القطاع. [35]

الجديرُ بالذكر هنا أنّ ديار بئر السبع واللواء الجنوبي من فلسطين كانا يُشكّلان خزّاناً مهمّاً لزراعة الشعير الذي كانت تعتمد عليه بريطانيا. [36] كما كانت أسواق غزة والمجدل وخانيونس تفيض بمحاصيل بدو ديار بئر السبع في سنوات الخصب، ويشترون من هذه الأسواق ما يحتاجونه من الأرز والبنّ والقماش. [37]

بحلول النكبة، أصبح اللاجئون يُشكّلون النسبة الأعلى من سكان القطاع، حيث تُشير إحصائيات سنوات النكبة الأولى إلى أنّ نسبة اللاجئين مقارنةً بالمواطنين الأصليّين في غزة بلغت 200%. [38]

ورغم “سنوات الضياع والجوع” التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون عامةً، وفي قطاع غزة تحديداً، وسعي دولٍ عربيةٍ لتصفية “الظاهرة العسكرية الفلسطينية”، ممّثلةً بجيش الجهاد المُقدّس عبر تخفيض موازنته التي كانت تُصرف من جامعة الدول العربية، وسَلْب الصهاينة 13 مليونَ دونمٍ من المنطقة الجنوبية لفلسطين، ما زاد من الظروف الاقتصادية الصعبة، [39] إلا أن هجمات الفدائيّين على المستوطنات المُحيطة بقطاع غزة ظلّت متواصلةً دونَ توقّفٍ.

وخلال السنوات الأولى التي تلت تهجير الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم إلى قطاع غزة، حاولت جهاتٌ دوليةٌ ومنظماتٌ مختلفةٌ طرحَ مشاريعَ لتوطين اللاجئين، تمهيداً للقضاء على فكرة حقّ العودة، إذ استغلّت الحكومات الاستعمارية الظروف القاسية التي كان يعيشها اللاجئون لإجبارهم على القبول بمثل هذه الأفكار، وهو ما عبّر عنه الوزير المُفوض في السفارة البريطانية في القاهرة، “السير جونسون”: “فليُكابِد اللاجئون مصاعب الشتاء المُقبل وما بعده حتى يرضخوا”. [40]

ففي شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1951، بدأت وكالة الغوث الدولية “الأونروا”، بتنفيذ برنامجٍ لنقل 2500 لاجئٍ إلى ليبيا بموافقةٍ من الحكومة الليبية. والمشروع وإنْ كان بتنفيذٍ من “الأونروا”، إلا أنّه بدأ كفكرةٍ بريطانيةٍ، بجانب تواطؤ جامعة الدول العربية في تمرير هذه المشاريع، وهو الأمر الذي كشفته مذكراتُ سفير الأردن لدى القاهرة، عوني عبد الهادي. [41]

لم تمنع حالةُ الفقر والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها القطاع الهيئةَ العربيةَ العليا، والجماهير الفلسطينية والقوى السياسية التي كانت تنشطُ في تلك الفترة، من الرفض القاطع والصريح لمشاريع التوطين والسعي نحو تعطيلها. [42]

للمزيد اقرأ/ي غزّة: معركة السيقان المبتورة

وجاء الردٌّ بمزيدٍ من المقاومة، إذ أحصى جيش العدو الصهيوني 180 عمليةَ إطلاقٍ للنار وزراعةِ ألغامٍ ونصب كمائن، بين كانون الأول/ ديسمبر 1955 وآذار/مارس 1956، حيث فُرض منعُ التجوّل على جانبي الحدود بين القطاع والأراضي المحتلة، من الغسق حتى الفجر. [43]

وعن إحدى عمليات قتل الجنود على الحدود مع قطاع غزة، يروي ثاني رئيس حكومةٍ للعدو بعد إقامة الكيان الصهيوني، “موشيه شاريت”: “كان ثلاثةُ جنودٍ يقومون بأعمال الدوريّة قرب الحدود المصرية في جوار “ناحل عوز”، خرج باتّجاهِهم جنديان مصريان عَبَرا الحدود ودخلا معهما في حديثٍ. وبينما الحديثُ جارٍ، ظهر عدةُ جنودٍ آخرين مسلّحين، وانقضّ المصريون فجأةً على أحد الجنود وسرقوا بندقيته وضربوه بعقب بندقيةٍ وطعنوه بخنجرٍ”. [44]

وفي موقعٍ آخر من مذكراته، يشتكي “شاريت” من العمليات الفدائية المستمرّة انطلاقاً من قطاع غزة، ويقول: “يجب توجيه تحذيرٍ شديدٍ إلى عبد الناصر وتهديده، بالنتائج الخطرة جداً عليه وعلى نظامه، ومطالبته بالسيطرة على الوضع فوراً ووقف أسلوب إطلاق النار وزرع الألغام”. كما يرِدُ ذكر عددٍ من العمليات التي استهدفت مستوطنة “بئيري”، [45] وهي المستوطنة ذاتها التي شهدت في الشهور القليلة الماضية حرائقَ كبيرةً جرّاء البالونات الحارقة التي أطلقتها وحدات المقاومة الشعبية من قطاع غزة. [46]

(محاولات إخماد حريقٍ اشتعل في حقل قمحٍ بالقرب من مستوطنة "ناحل عوز"، على طول الحدود مع قطاع غزة، 2018).
(محاولات إخماد حريقٍ اشتعل في حقل قمحٍ بالقرب من مستوطنة "ناحل عوز"، على طول الحدود مع قطاع غزة، 2018).

وإضافةً إلى لذلك، شارك الإخوان المسلمون في القطاع بشنّ عددٍ من الهجمات على المستوطنات، كما نفّذ الشهيد خليل الوزير، بمشاركة ما كانت تُعرَف باسم “كتيبة الحق” التابعة للإخوان، عدداً من العمليات الفدائية ضدّ أهداف العدوّ الصهيوني، بين نهاية عام 1954 والنصف الأوّل من العام الذي يليه. [46] واتّهم العدوّ حرس الحدود الفلسطيني، الذي شكّلته مصر، بالمشاركة في عمليات إطلاق النار واستهداف المستوطنات في قضاء غزة، وليس تقديم المساعدة للمتسلّلين العائدين فحسب.

من أوّل صاروخٍ حتى آخر مستوطنٍ ..

كان يوم السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2001 تاريخاً فارقاً في العمل العسكري الفلسطيني، حيث سقط أوّل صاروخٍ من صناعةٍ محليةٍ في مستوطنة “سديروت” التي تقع شمال غزة، والمُقامة على أنقاض بلدة نجد التي دمَّرتها العصابات الصهيونية. أتى نجاح إطلاق الصاروخ الأوّل على مستوطنات قضاء غزّة تتويجاً لجهودٍ كبيرةٍ بذلها مهندسو المقاومة لسنواتٍ عدّةٍ، مثل تيتو مسعود ونضال فرحات، بالإضافة لإسهامات الشهيد عدنان الغول الذي اكتسب خبراتٍ عسكريةً خلال خمس سنواتٍ أمضاها في المنفى؛ في سوريا تحديداً. [47]

وخلال سنوات الانتفاضة الثانية، عملت فصائل المقاومة على تطوير صواريخها، بجانب قذائف الهاون، فأنتجت الصناعات العسكرية الفلسطينية عدداً من الصواريخ “الناصر، وقدس، وقسّام، وأقصى” وغيرها. كما تمكّنت بمساعدةٍ من حلفائِها في إيران ولبنان من إدخال أنواعٍ متطورّةٍ من الصواريخ والمتفجّرات. أشرف على عمليات التهريب عددٌ من المقاومين الذين ارتقوا شهداء، مثل عماد مغنية، وغالب عوالي، والشقيقين نضال ومحمود المجذوب، وعزّ الدين الشيخ خليل، وآخرين. وقطعت هذه الصواريخ رحلةً طويلةً شاقّةً، ارتقى على دروبها ودفع ثمنَها شهداءُ من السودان واليمن ومصر وليبيا وغيرها.

وذكرت دراسةٌ لمركز معلومات الاستخبارات الإسرائيلي أنّ المقاومة الفلسطينية أطلقت 2809 صواريخ تجاه المستوطنات المحيطة بقطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2001 حتى شباط/فبراير 2008، وحظيت مستوطنة “سديروت” بـ45 % منها. فيما بيّنت مجلة “قساميون”، الصادرة عن “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، أنّها أطلقت 2,252 صاروخاً منذ بداية الانتفاضة حتى أواخر عام 2007. [48]

للمزيد اقرأ/ي حرب غزّة (2014): عمليات المقاومة وأسلحتها

خلّفت هذه الاستهدافات المتواصلة للمستوطنات المُحيطة بقطاع غزة مئات الإصابات في صفوف المستوطنين، خلال سنوات الانتفاضة. وقدّر رئيس اتحاد مقاولي أعمال الترميم في دولة الاحتلال، “عيران سيف”، الخسائر التي لحِقت بمنازل المستوطنين جرّاء سقوط صواريخ المقاومة عليها بحوالي 20 مليونَ دولارٍ. [49]

تزامنت عمليات تطوير القدرات العسكرية والصاروخية للمقاومة مع سعيها الحثيث لإنشاء بنيةٍ تحتيةٍ تحمي مُطلقيها من استهدافات طيران الاحتلال الذي ينشطُ في أجواء القطاع خلال عمليات القصف، من خلال حفر أنفاقٍ تحت الأرض، تحوي بداخلها منصاتٍ لإطلاق الصواريخ. فخلال السنوات الأولى لإنشاء المقاومة وحداتها الصاروخية، ارتقى عددٌ من الشهداء جرّاء اضطرارهم للقصف من منصاتٍ مكشوفةٍ للاحتلال، حيث يضطرّ المقاوم للحركة والاختفاء بعد كلّ عملية إطلاقٍ للصواريخ أو قذائف هاون.

اعترف العدو بهذا التطوّر في البنية التحتية خلال المواجهة الأخيرة مع المقاومة، عقب اشتباك الوحدة الخاصة شرق خانيونس، ما قلّل من خسائر المقاومة البشرية، في ظلّ احتجاجاتٍ نظّمها المستوطنون بعد فشل حكومة العدو بحسم المعركة في القطاع. [50]

اقرأ/ي المزيد في عملية خانيونس: من التسلّل الفاشل إلى الكورنيت

جَعَلَ تطور القدرات الصاروخية للمقاومة، والذي تصاعد حدّ تهديد أمن المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة، مستوطنات “الغلاف”، بشكلٍ أساسيٍّ، رهينةً لصافراتِ الإنذار والملاجئ، في ظلّ تراجع  فاعلية القبّة الحديدية في التصدّي لصواريخ القطاع.

(القبّة الحديدية)
(القبّة الحديدية)

كان الاحتلال قد بدأ بتطوير القبّة الحديدية عام 2005، بتوجيهٍ من اللواء “داني غولد”، رئيس وحدة الأبحاث والتطوير في وزارة الحرب الصهيونية. وفي آذار/مارس 2011، تمّ نصب أوّل بطاريةٍ من المنظومة في محيط بئر السبع، والثانية بعد أسبوعٍ في محيط عسقلان، [51] إلا أنّها عجزت عن حماية المستوطنات المحيطة بقطاع غزة من الصواريخ، وخاصةً قذائف الهاون، إذ تبقى قدرات القبّة الحديدية محدودةً في التعامل مع قذائف الهاون والقذائف الصاروخية التي يقلّ مداها عن 5-7 كيلومتراتٍ، [52] ما يعزّز من قدرة المقاومة الفلسطينية على الضغط على المستوطنين في هذه المناطق، وقوات الجيش في القواعد العسكرية في محيط القطاع. [53]

كما “تشكو” منظومة القبّة الحديدية من إشكالية التعامل مع عددٍ كبيرٍ من الأهداف في وقتٍ واحدٍ، لذلك تقف عاجزةً عند إغراقها بالأهداف، [54] كما حصل قبل شهورٍ حين عجزت عن التصدّي لصاروخين، أحدث أحدُهما دماراً واسعاً في منزلٍ للمستوطنين بمدينة بئر السبع، ما جعل المحلّلين يرجّحون فرضية إمكانية تضليل القبّة بإطلاق عددٍ من الصواريخ في آنٍ واحدٍ.

وفي عام 2014، أعلنت شركة “رفائيل” العسكرية الصهيونية عن نيتها تطويرَ منظومة “الشعاع الحديدي” لإسقاط قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى، عن طريق استخدام أشعة الليزر، [55] حيث تعمل أشعة الليزر التي يُطلقها نظام الشعاع الحديدي على تسخين رؤوس القذائف الحربية، التي يصل مداها إلى سبعة كيلومتراتٍ، إلى درجات حرارةٍ فائقةٍ، ما يؤدي لإتلافها.

وعلى الرغم من كلّ ذلك، واصل المحلّلون الصهاينة مطالبتهم حكومتَهم بتوفير خططٍ لإخلاء المستوطنين من قضاء غزة في أيّة حربٍ أو مواجهةٍ قادمةٍ مع المقاومة الفلسطينية، على غرار الخطّة التي أعدّتها الحكومة البريطانية في الحرب العالمية الثانية لإخلاء السكّان بعد القصف الجويّ الألمانيّ الذي تعرضت له. [56]

ويعتقد المحللون الصهاينة أنّ المقاومة تعمّدت، في الأيّام الأخيرة من حرب عام 2014، تكثيفَ استهدافِ المستوطنات المحيطة بقطاعِ غزّة والقواعِد العسكرية، بالصواريخ وقذائف الهاون، لدفعِهم لتشكيل ضغطٍ على حكومة نتنياهو للقبول بشروط المقاومة حول اتفاق التهدئة.

لكنْ، وإن حالت عواملُ سياسيةٌ وإقليميةٌ، وأخرى ميدانيةُ، دون تحقيق المقاومة الفلسطينية عدداً من أهدافها التي طالبت بها خلال الحرب، وعلى رأسها كسر الحصار المستمرّ على قطاع غزة منذ أكثر من أحدَ عشرَ عاماً، فإنّ مسيرات العودة الكبرى التي بدأت على حدود القطاع منذ شهر آذار العام الماضي كانت حدثاً هامّاً في مسيرة المقاومة الفلسطينية، حيث أعادت المسيرات روح المُبادرة للمجتمع في غزة بعد تراجع العمل الشعبيّ، بمعناه الواسع، أمام الفعل العسكري بصورته التنظيمية، وإن كانت التنظيمات قد وفّرت الأرضية لهذا العمل الشعبي، الذي أسفر عن ظهور وحداتٍ شعبيةٍ تكفّلت بمهماتِ إحراقِ الإطارات على طول الحدود، وإشعال مستوطنات قضاء غزة بالبالونات الحارقة.

(وحدة الطائرات الورقيّة الحارقة، غزة، 2018)
(وحدة الطائرات الورقيّة الحارقة، غزة، 2018)

اقرأ/ي المزيد: مذكراتٌ من مسيرة العودة الكُبرى

كانت الطائرات الورقية الحارقة تُشعل الحرائق في المستوطنات التي أقامها العدوّ مكان قرى قضاء غزة، وكأنّها الصراع في سيرته الأولى بين الجيش الصهيوني وأبناء اللاجئين الذين أُبعدوا عن ديارهم قسراً تحت النار. وفي الوقت ذاته، تُعيد فرض الضغط على المستوطنين في المنطقة، وتحرِّر المقاومة من قيودٍ عديدةٍ كبّلتها خلال السنوات الماضية، وتحقِّق لها وسائلَ للضغط على العدوّ الصهيوني في سبيل الهدف الأهمّ في المرحلة الحالية؛ وهو كسر الحصار الذي فُرض على القطاع، ضمن عملية عقاب الفلسطينيّين وتدفعيهم ثمنَ خيار المقاومة ودعمها وتقويتها في الحروب التي خاضتها.

تُعزّز استثمارات العدو في الزراعة  وتربية المواشي، بالإضافة لتربية الأبقار والمواشي، من عمليات الضغط على المستوطنين في قضاء غزة، حيث تسبّبت الطائرات والبالونات الحارقة بخسائرَ كبيرةٍ، في ظل “المجزرة” التي ارتكبها الجيش الصهيوني بحقّ المزارعين الفلسطينيّين على حدود القطاع طيلة هذه السنوات، بإطلاق النار تارةً، ورشّ محاصيلهم عبر الطائرات بالمبيدات من أجل إتلافها، تارةً أخرى، فضلاً عن حرمانهم من مصادر المياه وغيرها من إجراءات القتل والتنكيل بأيّ حياةٍ فلسطينيّةٍ في الحدود الشرقية للقطاع، وهي المناطق التي يُمكننا القول إنّ مسيرات العودة تمكّنت من “استعادة” مساحاتٍ كبيرةٍ منها، وأتاحت للفلسطينيّ العودة إليها والحركة فيها والزراعة.

وفي بداية عهد وزير الجيش الصهيوني، “أفيغدور ليبرمان”، قبل أن تهزمه غزة وتدفعه للاستقالة بعد أن فشل بتحقيق أيٍّ من وعوده التي أطلقها للمستوطنين بكسر المقاومة الفلسطينية وحرمانها من القدرة على الردّ واغتيال قادتها، أعلن ليبرمان عن تقوية مستوطني “قضاء غزة” اقتصادياً لدعم بقائهم في المنطقة المُهددة بشكلٍ دائمٍ ضمن برنامجه. [57]

كما كشف قائد المنطقة الجنوبية السابق في جيش العدو، ووزير الحرب السابق، “يواف غالانت” عن خطةٍ لإقامة مستوطنةٍ باسم “حنون” في قضاء غزة، بالإضافة لبناء مستوطنات “نافيه غوريون، دايا، شيلاح، دنيئيل، وإيشل هانسي” في النقب المحتل.

وكان “غالانت” قد صرّح أنّ فلسطينيّي النقب يُشكّلون تهديدًا يُوازي خطورة المقاومة في قطاع غزة، على مستقبل الاستيطان الصهيوني في جنوب فلسطين المحتلة، داعياً الحكومة لإجبارهم على الرحيل عن قراهم والتوجه إلى 18 تجمّعاً يريد الاحتلال فرضها عليهم.

تعكس تصريحات “غالانت” جانباً من الخوف الصهيوني من قدرات المقاومة والفلسطينيّين على تهديد مشاريعهم الاستيطانيّة التوسعيّة في النقب ومحيط قطاع غزة.

في عام 2017، بدأ جيش الاحتلال بناءَ جدارٍ عازلٍ على حدود قطاع غزة، في إطار سباقِه مع الزمن، لتوفير الحماية لمواقعه العسكرية والمستوطنين من أسلحة المقاومة الفلسطينية “الاستراتيجية”؛ على رأسها الأنفاق، التي أخضعت الصهاينة في مستوطنات قضاء غزة لحالةٍ من الخوف الدائم والقلق المُستمر من فكرة أن يصحوا يوماً ما على عناصر المقاومة في بيته.

سيصل طول الجدار الذي يجري العمل عليه على حدود قطاع غزة إلى حوالي 65 كيلومتراً، بعمقٍ يمتدُ إلى عشرات الأمتار في باطن الأرض، وترتبط به مجسّاتٌ لتشخيص الأصوات والتموّجات لحفر الأنفاق، إلى جانب جدارٍ عُلويٍّ بارتفاع ستة أمتارٍ، تُبنى على امتداده أبراجُ مراقبةٍ وكاميراتٌ ومواقعُ قيادةٍ ورقابةٍ؛ تكون كلُّها مرتبطةً بمنشأة تحكّمٍ مركزيةٍ. [58]

لم يُبدّد مشروع الجدار على حدود قطاع غزة المخاوفَ التي يعيشُها الأمن الصهيوني، بفعل التطوّر الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية على أدواتها خلال السنوات الأخيرة، عبر بناء وحداتٍ يُمكنها اقتحام الحدود مع الأراضي المحتلّة والدخول لمستوطنات قضاء غزة، أو المدن مثل عسقلان بحراً، إضافةً إلى الطائرات بدون طيار “الأبابيل” التي أعلنت المقاومة عن تطويراتٍ كبيرةٍ أحدثتها عليها بفضل جهودٍ فلسطينيةٍ، ومساعدةٍ من مهندسين عراقيّين وإيرانيّين وعربٍ، بينهم الشهيد التونسي محمد الزواري الذي اغتاله الموساد في عام 2016.

قبل أيامٍ، نشر الإعلام الصهيوني مقطعًا مصوّرًاً لمستوطنٍ من “سديروت”، يتحدّث برعبٍ عن أصواتٍ تُسمع من باطن الأرض، خاشياً أن تكونَ لمقاومين يحفرون الأنفاق تحت منزله، وصائحاً بأنّ بيت حانون ليست بعيدةً عنه سوى 800 مترٍ، فما الذي يمنع المقاومة من الوصول له، وربما قضاء الليالي، تحت منزله؟ [59]

خلال التصعيد الأخير بين المقاومة ودولة العدوّ، خرج مستوطنو قضاء غزة إلى الشوارع غاضبين من عجز حكومة “نتنياهو” عن حسم المواجهة مع قطاع غزة، حيث فرضت فصائل المقاومة شروطها بعد أداءٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ وإعلاميٍّ عظيمٍ، مقابل فرحةٍ فلسطينيةٍ عارمةٍ بالإنجاز الذي تحقّق.

في عام 1948، أقامت دولة العدو مستوطنةً على أراضي قرية “السوافير” الشرقية، قضاء غزة، أسمتها “عين تسوريم”، تيمّناً باسم مستوطنةٍ كانت تقع ضمن تجمع “غوش عتصيون” جنوب بيت لحم. تمكّن الجيش الأردني في الحرب حينها من تدميرها، كما أَسَرَ مستوطنيها، ليُفرج عنهم لاحقاً في عملية تبادلٍ للأسرى عقب توقيع اتفاقية “رودس” في 1949. [60]

تُمثّل قصة مستوطنة “عين تسوريم” تكثيفاً لواقع المشروع الصهيوني في بلادنا، حيث المستوطنُ مهدّدٌ دائماً بالحرب والتهجير، وإن كانت له “يدٌ طولى” عسكريّاً، إلا أنّ المقاومة لم تتوقف، ومن أرضٍ لأخرى يُلاحقه من يرثون قضية قتاله، فيما يعتقد أنه يملك “عُمقًا محميّاً”.

ورغم قساوة سنوات الحصار المُرّة التي عاشتها غزّة طوال السنوات الأخيرة، إلا أنها خلّفت نتائجَ عكسيةً على أمن المستوطنين بما يتّصل بمستقبل وجودهم في المنطقة المُحاذية للقطاع، حيث طُرد الفلسطيني بالنار والدمّ، وحاول العودة مراراً، شاهراً سلاحه بوجه العدوّ.

نحن أمام مُقاومةٍ تبني مشروع العودة على أرض الواقع من لحمِها ودمّ أبنائها، ليتحوّل هذا الشريطُ الساحليُّ الضيّقُ الذي قُضمت أرضه، والمُراقَب ليلاً نهاراً، إلى قاعدةٍ لمشروعٍ وطنيٍّ يسعى لإعادة تعريف العمل السياسي الفلسطيني مجدداً على أرضيةِ مقاومة الكيان الصهيوني.

أتى مشهدُ تفكيك الاحتلال لمستوطناته في قطاع غزة، والتي أرادها مُهندسها “يغال آلون” عام 1967 أن تقسّم القطاع وتحرم الفلسطينيّين من الاتصال بمصر، بعد الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان، ليطرد بعضاً من اليأس الذي يظلّل أزمنتنا العربية والإسلامية، ونحن نقفُ اليوم أمام مشهدٍ بات فيه المستوطنُ مُهدّداً بالتهجير، وربّما تحملُ السنوات القادمة معها انكماشاً للعدو من الحدود مع قطاع غزة إلى مسافاتٍ أبعد.

****

* قرى قضاء غزة: عبسان، وخزاعة، وبني سهيلة، ورفح، وبيت لاهيا، ودير البلح، وجباليا، وبيت حانون، وهوج، وكوفحة، والمحرقة، وبعلين، وصميل، وجسير، والفالوجا، والمنشية، وكرتيّا، وحتّا، وعراق سويدان، وبيت عفّا، وعبدس، وجولس، وحمامة، وحليقات، وبيت طيما، والجية، وبربرة، والمسميّة الكبيرة، والمسميّة الصغرى، والبطاني الشرقي، والبطاني الغربي، والسوافير الغربية، والسوافير الشرقية، والسوافير الشمالية، والقسطينة، وسمسم، وتل الترمس، وياصور، وعرب صقرير، والجلدية، والجية، ونجد، وكوكبا.

المراجع:

[1] الساعاتي، أحمد، (2005). التطور الثقافي في غزة بين عامي 1914-1967، الجامعة الإسلامية، ص64.
[2] نجم الدين، علي، (2016). موسوعة المستوطنات الصهيونية في فلسطين، ص 110،125،144،150،215،228،233
[3] مرجع سابق
[4] دكان الحاج أبو زهير .. خير شاهد على النكبة وأسباب الهزيمة الكبري (2015)، موقع فلسطين اليوم.
[5] نجم الدين، علي، (2016).
[6] خليفة، أحمد، (1986). حرب فلسطين 1947-1948: الرواية الإسرائيلية الرسمية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص220.
[7] مرجع سابق
[8] جابر، منذر، (1999). الشريط اللبناني المحتل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية
[9] خليفة، أحمد (1986). ص500،551،558
[10] مرجع سابق
[11]  وثائقي عن قرية برير المُهجرة، للمشاهدة هنا
[12] الساعاتي، أحمد، (2005).
[13] أبو النمل، حسين، (1974). قطاع غزة 1948-1967: تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية، مركز أبحاث منظمة التحرير، ص14.
[14] وثائقي عن قرية برير، مرجع سابق
[15] مرجع سابق
[16] خليفة، أحمد (1986).
[17] مرجع سابق
[18] عارف، العارف، (2012). نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، الجزء الأول، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص386
[19] وثائقي عن برير، مرجع سابق
[20]  منشور للأستاذ خالد عودة الله، رابط.
[21] شهادات من التاريخ الشفوي لأهالي بيت طيما، شاهد/ي، الرابط الأول، الرابط الثاني.
[22] مرجع سابق
[23] شهادة الكاتب صالح أبو صلاح، على أحداث النكبة في بيت دراس، هنا.
[24] عارف، العارف، (2012).
[25] مرجع سابق
[26] مقابلة تاريخ شفوي مع الحاجة مريم النادي، من بيت دراس، للمشاهدة هنا.
[27] عارف، العارف، (2012).
[28] مقابلة تاريخ شفوي مع عرفات شعبان من قرية جسير، للمشاهدة هنا.
[29] مرجع سابق
[30] مرجع سابق
[31] مرجع سابق
[32] منشور الأستاذ خالد عودة الله، ذكر سابقاً
[33] بدر، محمد، (2018). طائرات حماس الورقية وثعالب شمشون، صحيفة الحدث، رابط.
[34] المبيض، سليم، (1994). البنايات الأثرية الإسلامية في غزة وقطاعها، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص41،42.
[35] أبو النمل، حسين، (1974)
[36] محاضرة للأستاذ خالد عودة الله حول التراث البدوي في بئر السبع، بجمعية إنعاش الأسرة، شهر كانون الثاني في العام 2018.
[37] عارف، العارف، (1999). تاريخ بئر السبع وقبائلها، مكتبة مدبولي، ص273،272
[38] أبو النمل، حسين، (1974).
[39] مرجع سابق
[40] مرجع سابق
[41] مرجع سابق
[42] مرجع سابق
[43] صايغ، يزيد، (2003). الحركة الوطنية الفلسطينية، والبحث عن الدولة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص122
[44] شاريت، موشيه، (1996). ترجمة أحمد خليفة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص64.
[45] مرجع سابق
[46] صايغ، يزيد، (2003).
[47] أثر الصواريخ الفلسطينية في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، (2008). مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ص8
[48] مرجع سابق
[49] مرجع سابق
[50] منشور لعرفات الحاج، رابط
[51] شبيرا، يفتاح، (2015). الدروس المستفادة من منظومة القبة الحديدية، من كتاب العقيدة الأمنية الإسرائيلية وحروب إسرائيل في العقد الأخير، إعداد: رندة حيدر، تحرير: أحمد خليفة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
[52] مرجع سابق
[53] ديكل، أودي، (2015). “الجرف الصامد، اللاتوافق بين المستوى التكتيكي والمستوى الاستراتيجي”، ترجمة مركز أطلس للدارسات، ص17.
[54] شابيرا، يفتاح، (2015).
[55] إميلي لنداو، وعزرئيل برفت. (2015). القبة الحديدية: الدفاع الصاروخي في استراتيجية الأمن الإسرائيلي، من كتاب: الجرف الصامد، دروس وعبر، ترجمة: مركز أطلس للدراسات، ص37
[56] طال، ديفيد، (2015).
[57] أبو سيف، عاطف، (2018). تقرير مؤسسة مدار الاستراتيجي، ص57.
[58] الحطاب، ياسر، (2018). ورقة تقدير موقف: أبعاد بناء الجدار العازل حول قطاع غزة وخيارات المقاومة، مركز مسارات.
[59] تقرير لشبكة قدس حول مخاوف المستوطنين في سديروت من أصوات حفر، رابط
[60] نجم الدين، علي، (2016).