يقدّم فارس جقمان خلفية تاريخية لروابط القرى، ويرصد تطوّر مشاريع “الحكم الذاتي”، محاججاً أنّه كان للفعل الفلسطيني دورٌ أساسي في تحديد شكل وطرح تلك المشاريع الاستعمارية، كما كان من شأن الانتفاضات الشعبية المتعدّدة إحباط مشاريع العمالة البنيوية.

(هذا المقال هو الثاني ضمن ملفٍ بحثيّ ينشره باب الواد حول “روابط القرى” كنموذجٍ للتعاون مع المحتلّين في فلسطين، لقراءة المقال الأوّل؛ الثالث؛ الرابع؛ الخامس).

توطئة:

تقدّم هذه المقالة خلفيّةً تاريخيّةً لتجربة روابط القرى، وترصد تطوّر مشاريع “الحكم الذاتيّ الفلسطينيّ” منذ احتلال الأراضي المحتلة عام 1967 وحتى العام 1982. يحاجج الكاتب أنّه كان للفعل الفلسطينيّ دورٌ أساسيٌّ في تحديد شكل وطرح تلك المشاريع الاستعماريّة؛ إذ تجلّت الفاعليّة الفلسطينيّة على شكل انتفاضاتٍ شعبيةٍ متعددةٍ، ما قبل انتفاضة عام 1987، والتي كان من شأنها إحباط مشاريع العمالة البنيويّة.

*****

منذ توسّع نطاق السيطرة الاستعماريّة الصهيونيّة على فلسطين لتشمل الأراضي المحتلة عام 1967، نشبت توجّهاتٌ متنوعةٌ حول كيفية التعامل مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة، وكيفية إدارتهم بالبعديْن السياسي والاجتماعي. ومع تأسيس “الحكم العسكري” الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونتيجةً لتعدديّة التوجّهات الإداريّة لدى القيادات السياسيّة والعسكريّة الصهيونية، حاولت كلٌّ من القيادات المتعدّدة  تطبيق أشكالٍ مختلفةٍ للإدارة الاستعماريّة. اندرجت تلك التوجّهات، التي ظهرت خلال العقدين السابقين لاندلاع انتفاضة عام 1987، ضمن المخطّط الأوسع للاستيلاء على الأرض الذي طالما كان الهدف الاستراتيجيّ للاستعمار الصهيوني. [1]

مثّلت مشاريع “الإدارة الذاتية” إحدى أشكال الحكم الاستعماري التي حاولت تمريرها قياداتٌ صهيونيّةٌ متفرقةٌ بتعاونٍ فلسطينيّ، بدءاً بأول جولة مفاوضاتٍ حول إنشاء حكمٍ ذاتيٍّ في العام 1968 تحت إشراف “موشيه دايان”، مروراً بخطة “شمعون بيرس” لتطبيق حكمٍ ذاتيٍّ فلسطينيٍّ بين عامي 1975 و 1976، وصولاً إلى مساعي “مناحيم بيغن” لتنفيذ شروط الحكم الذاتي الواردة في اتفاقيّات “كامب ديفيد” عام 1978، وتتويجاً بتجربة روابط القرى التي أشرف عليها قائد الحكم العسكري “مناحيم ميلسون” في عام 1978 و بين عامي 1981-1982.

نبع هذا التوجه الإداري من الطبيعة “الانفصالية” لدى الحركة الصهيونية منذ ما قبل النكبة، فلطالما كانت ركيزتا السياسة الاستعماريّة، كما نعلم في فلسطين، تقوم على التوسّع الجغرافي من جهة، والحفاظ على التجانس الديمغرافي (أيّ الحفاظ على “النقاوة” العرقية اليهوديّة) من جهةٍ أخرى.

كانت أنجع أساليب تحقيق هذين الهدفين في آنٍ واحد (التوسّع الجغرافي والتجانس الديمغرافي) تكمن في التهجير القسريّ للفلسطينيّين من أرضهم، كما حصل في عاميْ 1948 و1967، غير أنّ التهجير القسريّ بصورته الواسعة كان وارداً خلال فترات الحرب. بالتالي، ومع انتهاء حرب النكسة، سعى الحكم العسكريّ لإيجاد طرقٍ أخرى لمنع اندماج فلسطينيّ الأراضي المحتلّة عام 1967 في الدولة الصهيونيّة، وذلك من خلال إتاحة درجةٍ من “الاستقلاليّة” للفلسطيينيّين بإنشاء “إدارةٍ ذاتيّةٍ مدنيّة”.

وبحسب المنظور الصهيونيّ، كان من المفترض أن يحقّق إنشاء إدارةٍ ذاتيّة مدنيّة هدف عزل الفلسطيني عن الوجود الاستعماري، ويفرض عليه التكلّف بمهام إدارة أموره الحياتيّة، شريطة غياب أيّ محمولٍ سياسيٍّ مناوئٍ للاستعمار عن هذا الشكل الإداري. وبهذا، سعت الإدارة الاستعماريّة لتحقيق هدفين: إنشاء قيادةٍ محليّةٍ تابعةٍ للوجود الاستعماري؛ والتخفيف من عبء الإدارة المباشرة  للأراضي المحتلة تزامناً مع تقدّم مشروع الاستيطان. [2]

هذا بالإضافة إلى وجود هدفٍ آخر للإدارة الذاتية، يمكن فهمه ضمناً وإنْ لم يتم المجاهرة به، وهو تحييد العناصر المجتمعيّة والسياسيّة الفلسطينيّة الرافدة للمقاومة في الأراضي المحتلة. وهو ما عزّز نظرة  منظّمة التحرير الفلسطينية ومناصريها إلى مشروع الإدارة الذاتية كمشروعٍ وُجِد لنزع الشرعيّة عنها، ولإقامة قيادةٍ محليّةٍ في الأراضي المحتّلة لتصبح مع الوقت ممثلاً شرعياً للفلسطينيّين، يُمكن من خلالها إنجاز تسويةٍ ما مع تلك القيادة. [3]

لم يكُن خيار “الإدارة المدنيّة الذاتيّة” المسار الوحيد الذي تمّ طرحه في السنة الأولى بعد حرب 1967، إذ طُرحت ثلاثة أطرٍ أساسيّة للتعامل مع المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة من قبل أطرافٍ مختلفةٍ داخل الحكم العسكريّ، وهي: “الخيار الأردني”، الذي تمثّل في إعادة الضفة الغربية إلى الإدارة الهاشمية، و”الخيار الفلسطيني”، الذي تضمّن الوصول لنوعٍ من “الحلّ” مع منظّمة التحرير، والخيار “المحليّ”، أي الوصول إلى صيغة تعاونٍ مع “القيادة المحليّة” في الضفة الغربيّة.[4] 

كما لم يكُن تحقيق الخيارين الأردني والفلسطيني وارداً في ظلّ المخطّط الصهيوني الساعي للاستمرار في الاستيطان، ليصبح خيار إنشاء إدارةٍ ذاتيّةٍ هو الخيار المنطقي لدى الحكم العسكري، غير أنّه لم يتمّ تطبيق هذه الخطط بشكلٍ ناجحٍ أو مستدامٍ خلال السنين بين 1967 و 1978، أيّ قبل تأسيس روابط القرى ورئاسة “مناحيم ميلسون” لـ “الإدارة المدنيّة” لاحقاً.

وهنا يكمن الهدف الأساسيّ لهذه المقالة: الوصول إلى أسباب فشل هذه المشاريع في تلك الفترة، وبالأخص معرفة مدى إسهام المقاومة، تحت إطار الحركة الوطنية في الأراضي المحتلّة، بارتباطاتها وخلافاتها وتوتراتها مع منظّمة التحرير، في إفشال تلك الخطط. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الحكم الذاتي لم يكُن بالضرورة الاستراتيجيّة الأساسيّة للسيطرة الاستعماريّة، على الأقل في سنين الحكم العسكري الجنينية. [5] فمع تقدّم ونضوج حركة المقاومة في الأراضي المحتلّة في منتصف السبعينيّات، نلاحظ ازدياداً في الاهتمام الصهيوني بالحكم الذاتي، وسنسعى في هذه المقالة إلى توضيح  تطوّر السياسة الصهيونية تجاه الحكم الذاتي ومواكبتها لحركة الشارع الفلسطيني، وبهذا نصل لصلب مغزى الاستعراض التاريخيّ فيها، وهو تتبّع الفعل الفلسطيني المقاوِم ودوره في رسم معالم السياسات الاستعماريّة فيما يخصّ مشاريع الحكم الذاتي.

الطرف الفلسطيني ومخلّفات فترة الحكم الأردني

عندما تَذكُر الأدبيّات الصهيونيّة خيار التعاون مع “القيادة المحليّة”، فهي تعني فئةً محدّدةً من النخب المجتمعيّة “التقليديّة” التي شغلت مناصب إداريّةٍ مختلفةٍ ضمن نظام الإدارة الأردنيّة للضفة الغربية قبل عام 1967. ومع حلول الحكم العسكريّ الجديد، انخرطت غالبية هذه النخب، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، بالحركة الوطنيّة الآخذة بالتشكّل آنذاك، وانضمّت إلى لجان التوجيه الوطني، التي تكوّنت من مزيجٍ بين القيادة التقليديّة وقيادةٍ شابةٍ جديدةٍ من الشيوعيين والبعثيين وأعضاءٍ من حركة القوميين العرب.

عمد جزءٌ من القيادة التقليديّة إلى التواصل مع سلطات الاحتلال في سلسلةٍ من اللقاءات السريّة، أُجريت مع “موشيه دايان” وقياديين في الحكم العسكري، للتباحث في إمكانيّة إنشاء نظام حكمٍ ذاتيٍّ وتعيينهم في مناصب حاكمةٍ داخله. ترأس هذا التوجه الشيخ علي محمد الجعبري رئيس بلدية الخليل، والمحامي عزيز شحادة من رام الله، والدكتور حمدي التاجي الفاروقي. شكّل هذا الثلاثي نواة الزعامة التقليديّة الداعيّة إلى تأسيس كيانِ فلسطينيٍّ ما في الضفة الغربية. [6]

دفع ذلك لجان التوجيه الوطني إلى إصدار بيانٍ، في 4 تشرين الثاني 1967، تحت عنوان “الميثاق الوطني المرحلي في الأرض المحتلة” رفضاً للدعوة “المشبوهة لإقامة دولة فلسطينيّة يُراد لها أن تقوم [كـ]منطقة عازلة بين العرب وإسرائيل ومرتبطة بالوجود الصهيوني الدخيل”. [7] وبهذا، شكّلت لجنة التوجيه الوطني في الضفة الغربيّة أوّل ردّة فعلٍ فلسطينيّةٍ رسميّةٍ رافضةٍ للحكم الذاتي، كما وردّدت منظّمة التحرير ذات الموقف في الخارج. [8]

كان أول لقاء لـ”تيار الجعبري-شحادة-الفاروقي”، كما أسماه أفراد الحركة الوطنية آنذاك، مع الحكم العسكري في زيارة عزيز شحادة ورئيس بلدية نابلس حمدي كنعان لـ “موشيه دايان”، بهدف عرض صيغةٍ معيّنةٍ للحكم الذاتي. كانت تلك الزيارة مقدّمةً لسلسلةٍ من اللقاءات في الأسابيع التي تلت، وأفصح رئيس الوزراء “ليفي اشكول” أثناء لقائه مع القاضي المقدسيّ تيسير كنعان عن جاهزيّته لمنح الفلسطينيين “نوعاً من أنواع الاستقلال في الضفة الغربية”. [9]

وفي الأثناء، التقى شحادة وحمدي كنعان مع عددٍ من نظرائهم “الزعماء التقليديين” الفلسطينيين، واشتكوا من ردّة الفعل الصهيونيّة الخاملة تجاه مبادراتهم، فيبدو أنّه وعلى الرغم من اقتناع “دايان” بأهميّة الحكم الذاتي، أنّه اتّبع نهجاً “رسمياً-بيروقراطياً غير مبادرٍ”، ويعتقد “شلومو غازيت”، “المنسّق لأعمال الحكومة في المناطق” آنذاك، أنّ ذلك التباطؤ نتج عن توتّر علاقة “دايان” مع رئيس الوزراء “إشكول”. [10]

وبالتزامن مع ذلك، عرض “موشيه ساسون”، ممثل رئيس الوزراء الصهيونيّ، على هذه النخب الفلسطينيّة ثلاثة مساراتٍ ممكنةٍ لتطبيق الحكم الذاتي. كان المسار الأول من اقتراح الشيخ علي محمد الجعبري، والذي أراد أن يُعَيَّن بقرارٍ عسكريٍّ محافظاً لكافة الضفة الغربية، مع استمرار الحكم العسكري. وكان الخيار الثاني مبنيّاً على اقتراحات نخب بيت لحم بتنفيذ الحكم الذاتي بشكلٍّ تدريجيٍّ في بعض المحافظات بدءاً ببيت لحم وأريحا ورام الله، والذي كان بمثابة مقترحٍ مضادٍ لخيار الجعبري. أمّا المسار الثالث، فكان يمثّل نوعاً من التسوية بين المسارين، حيث تواضَع الجعبري في مساعيه الجغرافيّة وأصبح المقترح يدور حول إنشاء قيادةٍ مشتركةٍ لجنوب الضفة الغربية، بما في ذلك الخليل وبيت لحم وأريحا، والتي ستنفِّذ حكماً ذاتيّاً محليّاً تدريجيّاً. [11]

لم يفضّل “إشكول” وغيره من الوزراء تطبيق هذا الخيار، معتبرين أنّ تعيين الجعبري بقرارٍ عسكريٍّ أحاديّ الجانب لن يكون خطوةً موفقة، [12] وعادوا إلى الجعبري بمقترحٍ آخر يقلّص دوره ليكون محافظ منطقة الخليل فقط. قَبِلَ الجعبري بهذا الخيار، إلّا أنّه تراجع عنه بشكلٍ فجائيٍّ ومن دون سابق إنذار، وتتكهن المصادر الصهيونيّة أنّ هذا التراجع جاء على إثر تهديداتٍ أردنيّةٍ للجعبري، ونتيجةً لإعلان منظّمة التحرير عن نيّتها إفشال أيّ دولةٍ فلسطينيّةٍ مرتبطةٍ بالكيان الصهيوني.[13] [14]

وبهذا، فشلت أوّل تجربة حكمٍّ ذاتيٍّ في عام 1968، نتيجة مزيجٍ من التخبّط الداخلي لدى الفلسطيني وعدم الإجماع لدى الصهيوني، بالإضافة إلى وجود بيئةٍ إقليميّةٍ ومحليّةٍ غير مواتيةٍ للمضيّ قدماً في هذا المشروع. وعلى الرغم من تجديد المحاولات لإحياء الفكرة من قِبَل الجعبري في عام 1969، إلا أنّ الحكومة الصهيونية لم تكُن واثقةً من مصداقيّة الجعبري، خاصةً بعد تراجعه المفاجئ عن المفاوضات قبل عام. [15]

حكمٌ ذاتيٌّ من نوعٍ آخر: الصراع على المجالس البلدية

مع فشل النسخة الأولى من الحكم الذاتي، لم تتوقف حكومة الاحتلال عن منح درجاتٍ أكبر من الصلاحيّات والمسؤوليّات الإدارية لرؤساء البلديّات ومجالسها. [16] فتحوّل التوجه الصهيوني نحو تشجيع سكان الأراضي المحتلة على إدارة أمورهم المعيشيّة من خلال “آليات ومؤسسات غير سياسية للقيام بنشاطاتٍ اجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى التعبير عن مواقف سياسيّة في العلن، على شرط ألّا تثير هذه النشاطات والتصريحات الفوضى العامة“؛ أيّ أن لا تثير أيّ معاداةٍ للوجود الاستعماري. وبالنسبة للتفكير الرسمي الصهيوني، فإنّ هذه الأطر والمؤسسات “غير المسيّسة” كانت تعتبر المجالس البلدية. [17] وجاء ذلك نتيجة توجهٍ إداريٍّ “ليبراليٍّ”، تجسّد في أمثال “شمعون بيرس” و”عيزر وايزمان”، عمل على تشجيع قيام قيادةٍ فلسطينيةٍ بديلةٍ تقبل بالوجود الاستعماري وقد تستأنف مفاوضات الحكم الذاتي مستقبلاً.

وإذا تمعّنّا في المحاولة الأولى في عام 1968، نلاحظ فجاجة تصوّرها لشكل الحكم الذاتي، نظراً لطلب الجعبري من الحكم العسكري أنْ يعيّنه بشكلٍ منفردٍ محافظاً حصرياً للضفة الغربية. أمّا مؤسسة البلديات، والتي كان يشغلها العديد من الشخصيّات المعروفة مجتمعياً، بعضها شخصيّاتٌ وطنيّةٌ وأعضاءٌ في لجان التوجيه الوطني، فكان لديها قدرٌ معيّنٌ من الشرعية المكتَسبة، وكانت تلك المناصب تؤثّر في حياة الناس بشكلٍ مباشر، وبالتالي نوى الحكم العسكري الاستيلاء على هذه المؤسّسة وتحويلها لتخدم مصالح استعمارية. فأُعلِن في 26 تشرين الثاني 1971 عن نيّة إجراء انتخابات البلديات، تماشياً مع القانون الأردني رقم 29 عام 1955 الذي ورثته الحكومة العسكريّة بعد حرب 1967. [18]

بطبيعة الحال، لم تكُن هذه المساعي الاستعماريّة سريّةً بالنسبة للحركة الوطنيّة في الأراضي المحتلّة، وتشكّل إجماعٌ وطنيّ على مقاطعة الانتخابات، كونها اعتُبِرَت خطةٌ لتطوير “البلديات لتصبح هيئات ضمن ما يسمى بالحكم الذاتي”، على حدّ قول قائد التنظيم الشيوعي الفلسطيني عربي عوّاد، وشُنّت ما وصفها بحملةٍ جماهيريّةٍ واسعةٍ لمقاطعةٍ الانتخابات، شملت “مختلف الفئات والهيئات الوطنية وتمثلت في إصدار العديد من المنشورات المناوئة للانتخابات وكتابة الشعارات على الجدران وعقد الاجتماعات وكتابة المقالات في الصحف العلنية”. [19]

ولكن لم تنجح هذه الحملة في إجهاض الانتخابات، فعندما سحب حمدي كنعان اسمه من قائمة مرشّحي بلدية نابلس على إثر حملة الضغط هذه، أجبرت سلطات الاحتلال معزوز المصري، رئيس البلدية الذي لم يُرشّح اسمه، على قبول ترشيحه لمنصب الرئاسة، وتمّ عقد الانتخابات على مرحلتيْن، الأولى في النصف الأول من عام 1972. بدأت نخبٌ تقليديّةٌ من غير العناصر الوطنيّة بالفوز في الانتخابات، وانتُخب الجعبري بالتزكية رئيساً لبلدية الخليل. [20]

لذا، بدا وكأنّ مقاطعة الانتخابات في الجولة الأولى قد سلّمت الحكم لبعض القادة المتعاونين مع الاحتلال. فيعترف عربي عوّاد أنّه “في المرحلة الثانية من الانتخابات التي جرت في المنطقة الجنوبية، وبعدما تبيّن أن الظروف لا تساعد على مقاطعة الانتخابات وإحباطها، قرّرت القوى الوطنية المساهمة فيها لإنجاح عناصر وطنية، وتمكّنت القوائم الوطنية من أن تحرز نجاحاً ملموساً في عدد من المجالس المحلية”. [21]  يؤكّد على ذلك عبد الجواد صالح، الذي كان قد أصرّ على موقف المقاطعة، إلّا أنّ أهل مدينة البيرة لم يقبلوا منه ذلك على حدّ قوله، نظراً لواقع ترشيح “بعض العملاء المعروفين لدى السكان بأنهم عملاء وسيئو الخلق. وعندما أدركت الناس أن أمثال هؤلاء هم من سيتولون شؤون بلدياتهم في المستقبل احتجوا بشدة [عليه] شخصياً وتجمعوا في دار البلدية أكثر من خمسمائة شخص”. [22]

إذن، حاربت الحركة الوطنيّة الانتخابات، ومن ثمّ شاركت فيها كمحاولةٍ لاحتواء ضررها بعد أنْ حصلت. فهل وفّر ذلك فرصةّ لتغلغل مصالح العدوّ في صفوف الحركة الوطنيّة وتدجينها؟ هكذا كان موقف منظّمة التحرير، وظهرت في حينها بوادر التوتّرات بين قيادة المنظّمة في “الخارج” والقيادات الوطنيّة في “الداخل”. أمّا الحركة الوطنيّة، فاعتبرت وجودها في البلديّات فرصةً للحدّ من المشاريع التي عُرضت عليها من قبل الاحتلال من جهة، ولتوسيع نشاطات المقاومة من خلال الصمود من جهةٍ أخرى.

وفيما يتعلق بالهدف الأوّل، يعتقد عبد الجواد صالح “بشكل عام أن رؤساء البلديات قد رفضوا القيام بأيّ دور في مشاريع الاحتلال السياسية. فقد كانت السلطات تعرض دائماً القيام بمثل هذه المشاريع خاصة على رؤساء البلديات الكبيرة. وكان جواب رؤساء البلديات دائماً هو أننا لم ننتخب للقيام بدور سياسي بل انتخبنا على أساس أن نقوم بواجبات معينة ينصّ عليها القانون. وكان البعض يردّ بصراحة على ذلك باتهام سلطات الاحتلال أن المشاريع المطروحة لا تتعدى كونها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية”. [23]  أمّا فيما يخص الهدف الثاني، فيقول عبد الجواد صالح إنّ “الحقيقة تقتضي القول إن المجالس البلدية لم تكُن على مستوى الأحداث بشكل عام، وذلك لطبيعة تكوينها الاجتماعي والعائلي”. [24]

ولربما نظراً لهذا الواقع المركّب، استمرّ الحكم العسكري بالنظر إلى البلديات كحيزٍ مناسبٍ لتنمية مشروع الحكم الذاتي، ولذلك لم يتردّد في عقد انتخابات بلديّةٍ جديدةٍ في عام 1976. وفي هذه الجولة، اكتسب شعار الحكم الذاتي زخماً جديداً في عهد “شمعون بيرس”.

الانقلاب على الحكم الذاتي في زمن الانتفاض الشعبيّ المستمرّ (1968-1976)

اعتلى “بيرس” منصةً احتفاليّةً نظمتها بلديّة بيت جالا في 22 تشرين الأول 1975 قائلاً: “إنّ الظروف قد نضجت لمنح سكان الضفة الغربية حكماً ذاتياً…إن الفراغ الذي طرأ في الضفة الغربية عقب قرار مؤتمر الرباط الخاص بالأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية ينبغي أن تملأه إدارة ذاتية، وحكم ذاتي”. [25]

عكست شهادة “بيرس” ثقةً عمياء باستقرار الأوضاع السياسيّة في الضفة الغربية وإمكانيّة إقامة إدارةٍ ذاتيّةٍ من دون مقاومة. كما أنّ الطمأنينة التي جاهر بها “بيرس” تبدو الآن زائفة، وقد اعتُبر إصراره على إقامة انتخابات البلديات مجدداً – كما أعلن بعد شهرين من خطابه في كانون الأول 1975، متعهّداً أنّ الانتخابات ستعقد في شهر نيسان من 1976 – قراراً متهوراً غير مدروسٍ من قبل العديد من المحّللين. فيحاجج “موشيه معوز”، وهو مستشرقٌ صهيونيّ والمستشار السابق للشؤون العربيّة لوحدة “تنسيق أعمال الحكومة في المناطق” بالقول: “بدا في تلك الفترة المفصليّة أنّ ذلك الإجراء لم يكُن في وقته، وكان يجازف [بيرس] بالمصالح “الإسرائيليّة” في الضفة الغربية، بل ويؤذيها. فلقد تمّ تبني قرار عقد الانتخابات في وسط أخطر موجة عصيانٍ مدنيٍّ عربية، وهبّةٍ غير مسبوقةٍ من المشاعر الوطنيّة المعادية لإسرائيل والمؤيّدة لمنظمة التحرير الفلسطينية”. [26]

لم تكُن تلك “الهبّة” محطةً عابرةً من شأنها أن تندثر بعد لحظة، بل عكست انتفاضةً جماهيريّةً واسعةً شملت كافة الأراضي الفلسطينيّة في الضفة، والأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1948، وغزة. سُمّيت “الانتفاضة الكبرى” و”الانتفاضة المجيدة” بين القوى الوطنيّة في الأراضي المحتلّة وفي الخارج، وأسفرت عن بداية بروز دور الأراضي المحتّلة كعنصرٍ فعّالٍ في حركة المقاومة الفلسطينية، وكمقدمةٍ لانتقال مركز الثقل السياسيّ “من الخارج إلى الداخل”.

لم تأتِ الانتفاضة الجماهيريّة من فراغ، بل كانت تتويجاً لسلسلةٍ من الانتفاضات الشعبيّة فيما سبقها من سنين، أبرزها انتفاضة 1968-1969 التي بدأها طلبة مدارس نابلس، لتندلع بعدها في باقي مدن الضفّة الغربية بعد إعلان ضمّ القدس، و “انتفاضة تشرين الثاني 1974” التي صادفت خطاب “البندقية وغصن الزيتون” لياسر عرفات في الأمم المتحدة. [27] فكانت كلتا الانتفاضتين محصورةً جزئياً من حيث النطاق الجغرافي والفترة الزمنية، إلّا أنّها شكّلت نموذجاً لشكل المواجهة التي ستأخذها الانتفاضات التالية، كما واعتُبرت أحداثٌ مؤسِّسةٌ بالنسبة للحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينية الآخذة بالتشكّل في الأراضي المحتلة.

بدأت انتفاضة 1968-1969 كسلسلةٍ من إضرابات المدارس التي دعت إليها لجنة التوجيه الوطني بعد إعلان ضمّ القدس. فخرجت حشودٌ كبيرةٌ من الطلبة وأُغلقت المحال التجاريّة وواجهت قوات الاحتلال في أول ظهورٍ كبيرٍ لشكل الإضراب الجماهيريّ منذ بداية احتلال عام 1967، تلك الأداة النضاليّة التي أخذت مداها في ثورة 1936 والتي عادت إلى شوارع نابلس. بدأت بمدرسة العائشية للبنات عندما خرجن الطالبات يهتفن ضدّ الاحتلال، وقمعتهنّ قوات الاحتلال من خلال اجتياح المدرسة والهجوم على الطالبات والمعلّمات وإغلاق المدرسة بقرارٍ من الحاكم العسكري. [28] وفي اليوم التالي، انضمّت كافة المدينة إلى الإضراب بمشاركة شرائح واسعةٍ منها. وفي ذات الوقت، بدأت مظاهراتٌ تندلع في غزة. [29]

قامت الانتفاضة في سياق عدة عملياتٍ فدائيّةٍ داخل الأراضي المحتلّة، الأمر الذي زاد من شدّة قمع قوات الاحتلال من خلال العقوبات الجماعيّة، مثل هدم المنازل والاعتقالات والإبعاد والقمع العنيف للمظاهرات. دامت الانتفاضة منذ تشرين الثاني 1968 إلى بداية شهر آذار 1969، وخلال هذه الأشهر، شهدت المظاهرات وتيرةً متصاعدةً وتطويراً لأدواتها النضاليّة. ففي أحد المظاهرات في غزة في 11 شباط 1969 أُلقيت المتفجّرات على جنود الاحتلال، وتمّ تنفيذ أكثر من عمليّةٍ مسلحةٍ في القدس من قِبَل خلايا من المناضلات. [30]

ويعتبر غازي الخليلي هذه الانتفاضة مشكّلةً من أربع سماتٍ رئيسيّة: مشاركة النساء الواسعة، وكونها شملت كلّ الضفة الغربية وقطاع غزة، وتزامن اندلاعها مع ازدياد القمع الصهيوني للخلايا الفدائيّة (بالتالي يعتبر الخليلي الانتفاضة تحديّاً لذلك القمع)، وكونها دامت لعدّة أشهر، ممّا يشير إلى ازدياد قدرة سكّان المنطقة على مواصلة النضال لفتراتٍ زمنيّةٍ ممتدّةٍ نسبياً. [31]

في ذات الوقت، اتّسمت الانتفاضة بما يعتبره الخليلي “طابعاً عفوياً”، وقد يبالغ الخليلي قليلاً في هذا الوصف نظراً لكتابته عن الظاهرة من خارج فلسطين في ذلك الوقت، فيأسف على “عدم وجود الهيئات التي توظف هذه العفوية النضالية بعقلانية في مواجهة السلطات المحتلة” على الرغم من تشكّل بعض الهيئات التي يذكرها من لجان طلابيّةٍ مناطقيّة، إلا أنّ “هذه اللجان كانت محلية ووقتيّة وكانت تعبيراً عن مدى الحاجة إلى وجود هيئات أو لجان تقود وتنظم التحرك الجماهيري”. [32]

يغفل الخليلي هنا دور لجنة التوجيه الوطني في المساهمة في الدعوة إلى المظاهرات وتوسيعها. ولكن، يعترف بعض أعضاء لجان التوجيه  أنّ مشكلة غياب التنظيم شكّلت عائقاً حقيقياً أمام الديمومة، وأنّ غياب قوىً منظّمةٍ على الأرض قادرةٍ على استيعاب الطاقات الجماهيرية المتدفّقة كان أحد أسباب عودة المدارس إلى الدوام. فيعتقد أحد أعضاء لجنة التوجيه وعضو المجلس الإسلامي الأعلى عبد المحسن أبو ميزر أنّ “الانتفاضة الجماهيرية التي أعقبت ضمّ القدس كانت تعبيراً واستفتاء على رفض سكان القدس والمناطق المحتلة لضم المدينة المقدسة… ولانعدام الشروط الموضوعية اللازمة لاستمرار هذه الانتفاضة بشكل متواصل، كان من الطبيعي أن تفتر ثم تشتد”. [33]

كما ويضيف أبو ميزر أنّ عدم اهتمام المقاومة الفلسطينية (وهنا يعني منظّمة التحرير في الخارج) بالتنظيم السياسي وانعدام الدعم العربي لمؤسّسات صمودٍ مجتمعيّة “كان له أثر على عدم استمرارية الانتفاضة التي نشأت بعد إعلان الضم”. [34] ولربما يُجحف أبو ميزر قليلاً في هذا الحكم، نظراً لأنّ واقع الأراضي المحتلة كان لا يزال في طور التعافي من حالة الترهّل السياسي الذي ساد الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، والذي أعاق التنظيم بأشكاله المختلفة.

أمّا بعد احتلال الضفة وغزة، فعادت المحاولات لإنشاء بنىً مختلفةٍ لتنسيق جهود المقاومة في الأراضي المحتلة، وبعد فشل تجربة لجان التوجيه الوطنيّ وحظرها من قِبَل الحكم العسكري، تمّ تأسيس الجبهة الوطنية الفلسطينية في عام 1973 المكوّنة من القوى الوطنية في الأراضي المحتلّة.

وبعد عام، اندلعت “انتفاضة تشرين الثاني 1974”. وفي هذه الانتفاضة الثانية، كانت آثار التنظيم خلال الأعوام الماضية قد تركت بصمتها على شكل النضال، فتمّ التنسيق لأوّل مظاهرةٍ لتتزامن مع خطاب عرفات في الأمم المتحدة في 13 تشرين الثاني، وكانت الشعارات المرفوعة في الكثير من الأحيان مؤيّدةً لمنظّمة التحرير، ويعتبر الخليلي أنّ هذه المظاهرات لم تكن عفويةً، بل منسّقاً لها مسبقاً. [35] ونجد هنا المفارقة الكبرى؛ فبالنظر إلى كون الانتفاضة منظمةً بشكلٍ مباشر، فقد كانت محصورةً بمبادرة القيادة التي نسقّت إليها، ولم تستمرّ لأكثر من أسبوعين، أو باعتقاد الخليلي فلقد كانت من “تلك الانتفاضات التي تقوم بقرار وتنتهي بقرار”. [36]

وعلى الرغم من ذلك، ظهرت أشكالٌ جديدةٌ من الممارسة السياسيّة والنضاليّة خلال هذه الانتفاضة الصغرى، إذ “برز دور المحرّض السياسي…[و] المنشور السياسي التحريضي…[و] إن هذه الأشكال من العمل لا تقوم بها إلا جماعات منظمة”، الأمر الذي أدّى إلى موجةٍ من الاعتقالات طالت عدداً كبيراً من أفراد حركة المقاومة الوليدة الذين لم يكونوا  بالضرورة معرّضين للاعتقال قبل تلك اللحظة. [37]

انتفاضة 1976 وأفول الحكم الذاتيّ في البلديات

لم تمضِ سنتان على ذلك الحدث قبل اندلاع، أخيراً، الانتفاضة الثالثة “الكبرى”. ظهرت بوادرها في منتصف عام 1975 واشتدّت في النصف الأول من 1976، قبل انتشارها إلى مناطق واسعةٍ من فلسطين بما فيها الجليل المحتل. وجاءت الانتفاضة بشكلٍ عفويٍّ رداً على توسّع الاستيطان، خاصةً في منطقة نابلس بعد بناء مستوطنة “الون موريه” من قبل حركة “غوش ايمونيم” في سبسطية.

جمعت هذه الانتفاضة بين سمات الانتفاضتين السابقتين، أيّ بين العفوية الجماهيرية الواسعة والوجود التنظيمي على الأرض، والذي لعب دوراً مهماً، وإنْ لم يكن شاملاً، في توجيه مسار التحرك الجماهيري. بل وتجاوزت هذه الانتفاضة الانتفاضات السابقة من حيث النطاق الجغرافيّ والمشاركة الاجتماعيّة الواسعة وحدّيّة المواجهة وامتداد الفترة الزمنيّة التي تجاوزت أكثر من نصف عام.

في خضمّ هذه الموجة من النهوض الشعبي، جاءت انتخابات البلديّات ومشروع الحكم الذاتي كمحاولةٍ لإخماد حالة الغليان. استمرّت الحركة الوطنيّة في بناء أطرٍ سياسيّةٍ (مثل الجبهة الوطنية الفلسطينية)  لمواجهة مشاريع الحكم الذاتي. بدوره، أصرّ “بيرس” على تنفيذ رؤيته للحكم الذاتي من خلال البلديّات، والتقى بالعديد من “الزعامات التقليديّة” المألوفة للحكم العسكري في أواخر العام 1975، مثل الجعبري ومعزوز المصري ورشاد الشوّا رئيس بلدية غزة، وتحدّث معهم حول إمكانيّة توسيع صلاحيّات البلديّات لتتجاوز إدارة الأمور الحياتيّة كالتعليم والصحة ولتبدأ باستدخال أدوارٍ سياسيّة. [38]

وبالنظر إلى نيّة استخدام البلديّات في إضفاء صفةٍ تمثيليّةٍ سياسيةٍ على المرشّحين “التقليديّين”، لم تكُن القوى الوطنيّة قادرةً على اتّخاذ قرارٍ بالمقاطعة كما فعلت في الجولة الأولى للانتخابات في عام 1972. فاصطدمت هنا مجدداً بموقف منظّمة التحرير (وفصائل المقاومة داخلها) الداعي للمقاطعة، والتي سرعان ما تراجعت عنه بعد إصرار عناصر من الحركة الوطنيّة في الأراضي المحتّلة على تأييد قائمة الجبهة الوطنية المرشّحة من رؤساء البلديّات الوطنيين، إذ وصل ذلك الإصرار إلى تهديد بعضهم بالاستقالة من مناصبهم في المنظّمة، ما أدّى إلى دعم المنظمة، متأخرةً، لقائمة الجبهة الوطنية في انتخابات البلديّات. [39]

أمّا نتيجة الانتخابات فكانت ساحقة، وفازت قوائم الجبهة الوطنية في معظم المدن، واعتُبرت تتويجاً للجهود التنظيميّة للجبهة الوطنيّة، وهو استنتاجٌ يُجحف بحق الانتفاضة ذاتها التي من دونها لكان فوز قوائم الرؤساء الوطنيين أمراً غير مضمون. ويعتبر عربي عوّاد أنّ الانتفاضة قد “دفنت مشروع الإدارة المدنية”، [40] ولكن يتمّ إغفال دور الشارع في تحديد مصير مشاريع الحكم الذاتي، ولا يحظى باهتمامٍ يليق بدوره الفعليّ. فمن الجدير الوقوف عند هذه النقطة المفصليّة؛ الفاعليّة الفلسطينيّة في تحديد المشاريع الاستعماريّة.

الحكم الذاتي وشبح المقاومة الفلسطينية

يُكتَب تاريخ المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلّة كسلسلةٍ من ردّات الفعل على الفعل الصهيوني المؤسس، ونجد هذه السردية ليس فقط في التأريخ الصهيوني، [41] وإنّما أيضاً في السرديات الفلسطينية، كما ورد في سرديّة الخليلي حول الانتفاضات وردّها على الفعل الاستيطاني، بالإضافة لما ورد أيضاً في دراسة هشام هواري حول الأسباب المتعددة لاندلاع انتفاضة 1976. [42]

وبطبيعة الحال، فإن أيّ مقاومةٍ للاستعمار هي بتعريفها ردّة فعلٍ على الظروف الاستعماريّة، ولكن من المخطئ حصر فهمنا للفعل الفلسطيني المقاوم ضمن هذه المعادلة الضيّقة. فنجد أنّ المقاومة الفلسطينية، وإن ردّت على السياسات الاستعماريّة، فهي أيضاً ساهمت في تحديد مسار السياسات الاستعماريّة، ولعبت دوراً في صنع شكلها.

ويُمكن اعتبار المحاولات المختلفة لتنفيذ مشاريع الحكم الذاتي كآليّةٍ صهيونيةٍ “لمكافحة التمرّد” بالوسائل الناعمة، وهو ما يعود جزئياً إلى الخشية الملموسة التي شعرت بها الإدارة الصهيونية من إمكانيّة تصاعد الفعل “التخريبي”. فكان شبح المقاومة الفلسطينية يشكّل أحد دوافع صنّاع القرار الصهيوني في تأييد مشاريع الحكم الذاتي.

لربما من السهل إثبات هذا المنظور شكلياً، فإنّ الهدف المعلن والواضح الذي ردّده روّاد الحكم الذاتي كان نزع الشرعية عن منظّمة التحرير وأنصارها في الأراضي المحتلة، [43] وتأسيس زعامةٍ قادرةٍ على تمثيل الأراضي المحتلّة سياسياً، كما أسلف “موشيع معوز”، شريطة أنْ تقضي هذه الزعامة على “الفوضى العامة”. [44]

ولا خلاف على هذا الادّعاء “المخفف”؛ أيّ أنّ الحكم الذاتي كان وسيلةً لتأجيل حدوث الفعل المقاوم الفلسطيني. وبكلماتٍ أخرى، مثّلت إمكانية نشوب مقاومةٍ خطراً دائماً يحدّق بمنظومة الحكم العسكري. ولكن من الممكن تطوير هذه الحجّة حول دور الفعل الفلسطيني في التأثير على مشاريع الحكم الذاتي، لتصبح المقولة بصيغةٍ أقوى: لقد كان للفعل الفلسطيني المباشر، وليس مجرّد إمكانيّة حدوثه، أثرٌ مباشرٌ على التأييد الصهيوني للحكم الذاتي.

نستطيع إيجاد بعض الأمثلة التي تدعم هذا الوصف. كما أوضحنا في القسم السابق، فشلت أول محاولةٍ للحكم الذاتي بعد انسحاب الجعبري المفاجئ من مفاوضاته مع الحكم العسكري، لربما نتيجةً لتهديداتٍ أردنيةٍ وفلسطينيةٍ ضدّه. ولكن ما يجب الإشارة إليه أيضاً هو اندلاع انتفاضة 1968-1969 في فترةٍ قريبة، ممّا خلق مزاجاً عاماً معادياً للوجود الاستعماري، لم يكُن سهلاً تحقيق حكمٍ ذاتيّ في ظلّه.

نجد إثبات هذه النظرة في توجّهات الحكم العسكريّ ما بعد اندثار الانتفاضة، لا في سجلّ مفاوضات الحكم الذاتيّ في تلك السنوات، أيّ عندما أصرّ “موشيه دايان” على إقامة انتخاباتٍ بلديّةٍ في عام 1972. فيحاجج “معوز” أنّ الظروف الموضوعيّة لم تكن متوفرةً ما قبل عام 1972 لبناء مشروع حكمٍ ذاتيّ.

بدأت تلك الشروط بالنضوج مع نهاية عام 1971، إذ “كانت المنطقة هادئة، كان الإرهاب آخذاً بالانخفاض، وكان التطرّف السياسي في حالة انحسار تزامناً مع حدوث كارثة منظمة التحرير في الأردن [أيلول الأسود]؛ وتحسّن الوضع الاقتصادي في الوقت الذي أصبح فيه التطبيع مستقرّاً بما يكفي للسماح للعرب بالتعبير الحرّ عن آرائهم السياسية”. [45]

وبكلماتٍ أخرى، أطاح وجود المقاومة بأيّ إمكانيةٍ لتأسيس نظام حكمٍ ذاتي، وشكّل تراجع المقاومة الشرط اللازم لتمرير مشروعٍ كهذا. لم يأتِ هذا التراجع من فراغ، بل نتج عن حملة قمعٍ صهيونيّةٍ للوجود التنظيمي المناوئ للاستعمار، لا سيّما من خلال الاعتقالات والإبعاد وحظر لجان التوجيه الوطني، الأمر الذي دفع “شلومو غازيت” للاستنتاج أنّه “لم يكن هناك سبب للقلق من  إمكانية انتخاب ممثلي منظمة التحرير في البلديّات”. [46] بمعنى أنّ انتخابات عام 1972 كانت تتويجاً لحملةٍ صهيونيّةٍ لمكافحة التمرّد. ولكنّ هذه السردية الصهيونية ذاتها تحوي اعترافاً ضمنيّاً أنّ واقع “التمرّد” هو ما خلق الحاجة لوجود “قيادةٍ بديلة”.

وفعليّاً، نجحت هذه المقاومة الفلسطينية في إفشال الحكم الذاتي مرةً أخرى مع فوز القوائم الوطنيّة في انتخابات عام 1976، وتحوّلت البلديات من أداةٍ للتحكّم الاستعماري إلى أداةٍ للتحدي. ويعترف “معوز” أنّ مبادرات “المتطرفين الوطنيين قد انتعشت، بشكلٍ متناقض، نتيجة للسياسات الأمنيّة والقوميّة الإسرائيلية في الضفة الغربية،” [47] أيّ أنّه كان للانتخابات نتائج عكسيةً من وجهة نظر صهيونية.

ويضيف “معوز” أنّه حتى رؤساء البلديات “المحافظين والمعتدلين”، بمن فيهم الجعبري، قد أُجبروا على إصدار مواقف ضدّ الاحتلال، “وتبنّوا مواقف متطرّفة فيما يخص الحكومة الإسرائيلية،” كما وشمل هذا التطوّر حملةً من الاستقالات لرؤساء البلديّات وأعضاء المجالس البلدية في بيرزيت ونابلس ورام الله وطولكرم في آذار 1976 ردّاً على أفعال قمع انتفاضة عام 1976. [48] ويُكمل “معوز”:

“نظرياً، كان من الممكن أن يستخدم رؤساء البلديّات ما تبقى من سلطتهم ونفوذهم لتهدئة المتظاهرين وإعادة النظام والهدوء إلى الضفة الغربية. ولكن من حيث التطبيق، وكونهم فلسطينيين عرب، فلقد اشترك رؤساء البلديات بهموم الشباب الراديكاليين الوطنيين…واعتبروا أنّ هذه الأفعال الإسرائيلية كانت استفزازيّةً للغاية، وجعلت الانصياع للسلطات الإسرائيلية أو مساعدتها في الحفاظ على الاستقرار وسيادة القانون ضمن هذه الظروف الحرجة أمراً مستحيلاً”. [49]

وهنا، نجد مجدداً اعترافاً ضمنياً أنّ أحد أدوار الحكم الذاتي كانت إفشال حالات المقاومة والتمرّد الجماهيري، كما ويبيّن أنّ هذه المحاولة لمكافحة التمرّد لم تفلح بنتيجة، نظراً لحدّيّة المقاومة واتّساعها. ومع هذا، انطوت صفحة محاولة إنشاء حكمٍ ذاتيٍّ من خلال مؤسّسة البلديات. وكان للفعل الفلسطيني دورٌ مركزيّ في هذا التطوّر. فأصبحت الإدارة الاستعماريّة تبحث عن سبلٍ جديدةٍ لتمرير مشروع الحكم الذاتي. وفي هذه الأثناء، انتُخِبَت حكومة “مناحيم بيغن” وحزب “الليكود” في أيّار 1977.

الحكم الذاتي ينتقل إلى الريف: روابط القرى في زمن “كامب ديفيد”

أُدرج الحكم الذاتي ضمن بنود اتفاقيّة “كامب ديفيد” عام 1978، على الرغم من أنّ المفاوضات الصهيونيّة والأمريكيّة مع مصر كانت تخصّ حكماً ذاتيّاً للفلسطينيين، فلم يشارك أيّ طرفٍ فلسطينيٍّ فيها، واحتلّت المفاوضات ما يقارب فترة أربعة سنواتٍ ما بين 1979 و 1982. لم تخرج المفاوضات بأيِّ نتيجةٍ ملموسةٍ أو محاولة تطبيقٍ فعليّة، وتمّ وضع المفاوضات جانباً على إثر اجتياح لبنان عام 1982. وعلى الرغم من عدم خروج المفاوضات بنتيجةٍ عينيّةٍ تطبّق على أرض الواقع، ابتكرت “كامب ديفيد” مفهوم “الفترة الانتقاليّة” و”الحكم الذاتي المحدود” التي ورثتها اتفاقية أوسلو. [50]

أمّا “مناحيم بيغن”، فقد نبعت نظرته للحكم الذاتي من أبيه الروحي “فلاديمير جابوتينسكي”، فردّد منظور الأخير حول موقف السياسة الصهيونية من “الأقليّات القوميّة”، وأنّه كان بإمكان تلك “الأقليّات” تحقيق مساعيها القوميّة من خلال ما سُمّيَ بـ “الاستقلالية الشخصية” و”الحكم الذاتي للأقليات القومية”. [51] من ناحية عمليّة، وبالتناسق مع المقترحات الصهيونية السابقة، كان ذلك يعني الانفصال بين المستعمِر والمستعمَر دون المساس بأيِّ أمورٍ سياسيّة، حيث أراد “بيغن” أن يمنح أيّ طرفٍ فلسطينيٍّ “حكماً ذاتيّاً محدوداً” يسمح باستمرار العملية الاستيطانيّة في خدمة تحقيق غاية “إسرائيل الكبرى”.

لكن في هذه الأثناء، ومع انسداد الأفق للإدارة الذاتيّة على صيغة المؤسسات البلديّة المتمركزة في المدن، بدأ يظهر توجهٌ صهيونيٌّ جديدٌ يهدف إلى تصدير الحكم الذاتي إلى الريف. ومع أنّ حكومة الليكود استمرّت في محاولة تطبيق الحكم الذاتي في سياق المجالس البلدية حتى بعد انتفاضة 1976 – والتي أشرف عليها “عيزر وايزمان” في الأعوام 1977-1978 على أمل أن تصبح المجالس البلدية جهةً في مفاوضات الحكم الذاتي ضمن “كامب ديفيد” – فقد خرج تكتلٌّ صهيونيٌّ منافسٌ لمساعي “وايزمان” أراد حصر صلاحيّات البلديّات وتفكيك المجالس البلدية، لتحلّ مكانها زعامةٌ فلسطينيّةٌ جديدةٌ متمركزةٌ في القرى.

انبثق هذا التوجه الجديد من دوائر الحكم العسكري، بقيادة الأستاذ في الجامعة العبرية “مناحيم ميلسون”، والذي عمل مستشاراً للحكم العسكري في “الشؤون العربية” بين 1976 و 1978 ومن ثمّ ترأس “الإدارة المدنية” الجديدة بين 1981 و 1982. اعتقد “ميلسون” أنّ العمل من خلال المجالس البلديّة لن يؤدّي لنتيجة، نظراً لاستيلاء الحركة الوطنية عليها، [52] واقترح أنْ يتمّ إنشاء قيادةٍ محافِظةٍ جديدةٍ في القرى والبلدات. [53]

وهكذا، نشأت استراتيجيّة روابط القرى، التي سعت بشكلٍّ أساسيٍّ لتفكيك المؤسّسات البلديّة ومحاربتها ونزع الشرعيّة عنها. وهذا ما فعله الحكم العسكري ضمن توجّه “ميلسون”، من خلال قطع مصادر التمويل الخارجيّة للبلديّات، وإقالة عددٍ من رؤساء البلديّات بين 1977 و 1978. وبعد انتخاب حكومة “بيغن” الثانية في أيّار 1980، تعمّقت حملة تفكيك البلديّات ضمن سياسة “القبضة الحديديّة” التي وصلت ذروتها في صيف 1981. [54]

ونجد هنا، كما وجدنا في الحالة السابقة للإدارة الذاتيّة، أنّ مشروع روابط القرى كان بمثابة محاولةٍ صهيونيّةٍ جديدةٍ لاحتواء الفعل الفلسطيني. ومثلما كانت خطّة انتخابات البلديّات أداة مكافحة تمردٍ لسحب البساط من تحت المقاومة في عامي 1972 و 1976، جاء مشروع روابط القرى كمحاولةٍ لاحتواء حالة التمرّد التي بنتها الحركة الوطنيّة في البلديّات. يقودنا ذلك إلى خلاصةٍ مفادها أنّ المقاومة كانت جزءاً من عمليّة صنع الفعل، ليس فقط الفعل النضاليّ وإنمّا الفعل الاستعماريّ أيضاً، الذي ناور من أجل احتواء حالات التمرّد  والرفض والمقاومة، وذلك على الرغم من كونها -المقاومة- دائمة التغيّر والتحوّل، وإنْ تقدّمت وتراجعت في مراحل مختلفة. 

في آب 1978، تمّ تأسيس أوّل رابطةٍ في دورا الخليل تحت زعامة مصطفى دودين، [55] لحقتها باقي روابط القرى في الأعوام التالية، وتأسّست سبع روابط في مناطق مختلفةٍ من الضفة الغربية في المحافظات الجنوبية أولاً، ومن ثم الشماليّة. وكما دَفَنَت انتفاضات 1968-1969 و 1974 و1976 مشاريع الحكم الذاتي المختلفة في فتراتٍ مختلفة، اندلعت كذلك انتفاضةٌ جديدةٌ رابعة، لتقلب الطاولة على مشروع روابط القرى وتُعيد الاعتبار للفعل الفلسطيني مجدداً؛ انتفاضة 1981-1982 الجماهيريّة.

*****

الهوامش:

[1] Gazit, Shlomo. “Early Attempts at Establishing West Bank Autonomy (the 1968 Case Study),” Harvard Journal of Law and Public Policy, Vol. 3 (Summer 1980), p. 132.
[2] Maoz, Moshe. Palestinian Leadership on the West Bank: The Changing Role of Arab Mayors under Jordan and Israel. London: Frank Cass, 1984, p.63.
[3]  إلياس شوفاني، “فقاعة الإدارة الذاتية”، شؤون فلسطينية، العدد 55، آذار 1976، ص 53.
[4]   Gazit, Shlomo. Trapped Fools: Thirty Years of Israeli policy in the Territories. London: Frank Cass, 2003, p. 189.
[5] كما أشار رئيس بلديّة البيرة السابق وعضو اللجنة التنفيذيّة السابق في منظّمة التحرير عبد الجواد صالح في عام 1974 أنه لا يدري “أكان ذلك الطرح على مستوى جدي أم محاولة للضغط وتهديد الحكومة الأردنية حيناً أو المقاومة حيناً آخر”. الاقتباس من: عبد المحسن أبو ميزر “الضفة الغربية: احتلال، مقاومة، ونظرة إلى المستقبل (ندوة)” شؤون فلسطينية، العدد 32، نيسان 1974، ص 33
[6]  عبد الحفيظ محارب، “شهريات: الأراضي المحتلة” شؤون فلسطينية، العدد 8، نيسان 1972، ص 254
[7]  يُنظر إلى النص في: مهدي عبد الهادي، المسألة الفلسطينية ومشاريع الحلول السياسية 1934-1974. بيروت: منشورات المكتبة العصرية، 1975، ص 353
[8]  Dakkak, Ibrahim. “Back to Square One: A Study in the Re-Emergence of the Palestinian Identity in the West Bank, 1967–1980.” Palestinians over the Green Line: Studies on the Relations between Palestinians on Both Sides of the 1949 Armistice Line since 1969, edited by Alexander Scholch, Ithaca Press, 1983, p. 71.
[9]   Gazit, Trapped Fools, p. 194.
[10] المصدر السابق، ص 196.
[11]  المصدر السابق، ص 196-197.
[12]   المصدر السابق، ص 197.
[13]  Gazit, “Early Attempts,” pp. 147-148
[14]  الاقتباس الكامل من منظّمة التحرير في: Maoz, Palestinian Leadership, p. 100 المنقول عن الأصل في: Middle East Record 1967-70, p. 282.
[15]  Gazit, “Early Attempts,” p. 150.
[16]  Gazit, Trapped Fools, p. 202.
[17]  Maoz, Palestinian Leadership, p. 63
[18]  المصدر السابق، ص 103. للمزيد عن سياق القوانين البلديّة تحت الحكم الأردني قبل عام 1967، يُنظرإلى صفحات 20-48.
[19]   أبو ميزر، “الضفة الغربية: ندوة”، ص 41-42.
[20] Maoz, Palestinian Leadership, p. 104.
[21]   أبو ميزر، “الضفة الغربية: ندوة”، ص 42.
[22]   المصدر السابق، ص 36.
[23]  المصدر السابق، ص 33.
[24]  المصدر السابق.
[25] يُشير موضوع مؤتمر الرباط الى الاعتراف بمنظّمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. الاقتباس لـ “بيرس” في: شوفاني، “فقاعة الإدارة الذاتية” ص 53.
[26]  Maoz, Palestinian Leadership, p. 133، ترجمة الكاتب
[27]  لقراءة سردية مفصّلة لأحداث تلك الانتفاضتين، يُنظر: غازي الخليلي، “دروس الانتفاضة”، شؤون فلسطينية، العدد 57، أيار 1976، الصفحات 17 – 26
[28]  المصدر السابق، ص 18.
[29]  المصدر السابق.
[30]  المصدر السابق، ص 20
[31]  المصدر السابق.
[32]  المصدر السابق.
[33]  أبو ميزر، “الضفة الغربية”، ص 45.
[34]  المصدر السابق، ص 46.
[35]  الخليلي، “دروس الانتفاضة”، ص 23
[36]  المصدر السابق، ص 24.
[37]  المصدر السابق، ص 25.
[38]  عيسى الشعيبي، “شهريات: الأراضي المحتلة” شؤون فلسطينية، العدد 52،كانون الأول 1975، ص 231-232
[39]  مثلاً هدّد عبد الجواد صالح بالاستقالة من منصبه كعضو في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية: Abdul Jawad Saleh, Israel’s Policy of De-Institutionalization: a Case Study of Palestinian Local Governments. London: Jerusalem Center for Development Studies, 1987, p. 23.
[40]  أحمد حمزة، “الانتفاضة الكبرى: شهادات، دروس، آفاق (ندوة)” شؤون فلسطينية، العدد 57، مايو 1976، ص 47
[41]  نجد نماذج لهذا التأريخ في أعمال “غازيت” و”معوز” المذكورين سابقاً.
[42]  هشام هواري “ملاحظات حول الانتفاضة في الأرض المحتلة خلال العام 1976” شؤون فلسطينية، العدد 67، حزيران 1977.
[43]  لا تفرق المصادر الصهيونية بين العمل المقاوِم في الأراضي المحتلّة ومنظمة التحرير في الخارج، وتعتبر الحركة الوطنية في الأراضي المحتلّة مجرّد امتدادٍ للمنظّمة، على الرغم من وجود سجلٍّ تاريخيٍّ طويل يُشير إلى عكس ذلك.
[44] Maoz, Palestinian Leadership, p. 63
[45]  المصدر السابق، ص 103.
[46] Gazit, Trapped Fools, p. 167.
[47]  ترجمة الكاتب، Maoz, Palestinian Leadership, p. 16
[48]  المصدر السابق، ص 125.
[49]  المصدر السابق.
[50] Seth Anziska, “Autonomy as State Prevention: The Palestinian Question after Camp David, 1979-1982.” Humanity: An International Journal of Human Rights, Humanitarianism, and Development. 8:2, Summer 2017, pp.300-302
[51] Harvey Sicherman, Palestinian Self-Government (Autonomy): Its Past and its Future. Washington DC: Washington Institute for Near East Policy, 1991, pp. 5-6
[52] Salim Tamari, “In League with Zion: Israel’s Search for a Native Pillar.” Journal of Palestine Studies, 12.4, 1983, p. 44.
[53] Sahliyeh, Emile. In Search of Leadership: West Bank Politics since 1967. Washington, D.C.: Brookings Institution, 1988, p. 82.
[54] المصدر السابق، ص 83.
[55]  Tamari, “In League with Zion,” p. 43.