نقدّمُ لكم في زاويتنا الشهريّة “رادار” ثلاتَ مقالاتٍ، اخترناها لكم من منصّاتٍ مختلفةٍ، كانت قد نُشرت في شهر تشرين الثاني الماضي. نبدأها من القدس بالحديث عن تبعاتِ قرار الاحتلال إغلاقَ مكتب مديرية التربية والتعليم بالقدس بما له علاقة مباشرة بسياسةِ التهويد و”الأسرلة”. ثم نتابعُ من الأردن مقالاً يُفنّد مسألةَ “الملكيات الإسرائيلية الخاصة” في الباقورة والتي أُثيرت من جديد بعد الإعلان الأردني الشهرَ الماضي استعادةَ أراضي الباقورة والغمر. ونختمُ بمقالٍ من المغرب، يقدّم قراءةً لافتة في العلاقة الناشئة بين التخطيط العمراني وتحولاته من جهة وبُنى العلاقات الاجتماعية من جهةٍ أخرى، باتخاذ مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، نموذجاً.

ما تبعات إغلاق مكتب مديرية التربية والتعليم بالقدس؟

تستوجبُ الإجراءاتُ “الإسرائيلية” الأخيرة في القدس، بإغلاق مكتبي تلفزيون فلسطين ومديرية التربية والتعليم، من الباحثين والصحفيين البحثَ العميق والجادّ في جذور سياسة الاحتلال بمحاربةِ الأدوات الإعلامية والتعليمية بالقدس، هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى، هناك ضرورةٌ قصوى للبحث في تمظهرات الفعلِ الفلسطيني وتحولاتِه في مواجهة تلك السياسة وصولاً إلى لحظتنا الراهنة التي نرى فيها هشاشةً وضعفاً بالتنظيمِ والبناء.

في مقاله المنشور في شبكة القدس الإخبارية، يوجز الباحث زيد القيق تبعاتِ القرارِ “الإسرائيليّ” بإغلاقِ مكتبِ مديرية التربية والتعليم بالقدس، باعتباره جزءاً من سياساتِ التهويد و”الأسرلة” البادئة منذ احتلال المدينة.

ويرى المقال أنّ أخطرَ تبعاتِ القرار زيادةُ عددِ المدارس التي تدرّس المناهج “الإسرائيلية” مقابل شدّ الخناق على المدارس التي تعتمد المناهج الفلسطينية، في ظلّ وجود ما لا يقل عن 50% من الطلبة المقدسيين الملتحقين بالمدارس التي تعلّم المناهج الفلسطينية، تحت مظلّة بلدية الاحتلال. ومن هنا، سيحاول الاحتلال، مثلاً، نزع الشرعية عن المظلّة الرسمية التي تتبع إليها المدارس الخاصة أو تلك التابعة للأوقاف.

ليس هذا فحسب، ففي الوقت الذي تنوي فيه بلدية الاحتلال تقديمَ مخططاتٍ لبناءِ المزيد من المدارس (التي ستدرس المناهج “الإسرائيلية” حكماً) في مناطق مثل بيت حنينا وشعفاط، تعمدُ على تقليص مخصصاتٍ مالية يُفترض أن تحصل عليها المدارس الخاصة مقابلَ الطلبة الذين تعجز بلدية الاحتلال عن استيعابهم بسبب نقصِ المباني المدرسية لديها.

لدينا أيضاً المدارس التابعة لوكالة “الأونروا” التي تعاني أزماتٍ مادية كبيرة نتيجة سياسةٍ أمريكية- صهيونية ممنهجةٍ هدفها محوُ كلّ ما يؤشّر إلى قضية اللاجئين.

لا يوجدُ في هذه المعطيات ما يُشير إلى انفراجةٍ ما في مأزق التعليم بالقدس ما لم يتبلور مشروعٌ فلسطينيٌ يساند الجهود التي تحاولُ لجنة أولياء أمور طلبة مدارس القدس بذلها في هذا الإطار. وليس في ذلك ابتكارٌ لما لم يُبتكر من قبل. إذ يتطرّقُ المقال بشكلٍ سريعٍ لأهم الإجراءات التي قام بها الاحتلال، وشكّلت مراحلَ مفصلية في تاريخ دفاع أهل القدس عن حقّهم في التعلّم بمناهجَ تحفظ لهم وللأجيال موروثهم القيميّ والوطني.

للقراءة، من هنا

الحقوق التاريخية والملكيات الخاصة في الباقورة: اعتراف من طرف واحد

لاقى القرارُ الأردنيّ باستعادةِ أراضي الباقورة والغمر حفاوةً ودعماً واسعيْن في المجتمعين الأردنيّ والفلسطينيّ، باعتبارها خطوةً فيها ما يخرج قليلاً عن مسار الانبطاح الذي عهدناه من قبل الحكومات العربية، خصوصاً تلك التي وقّعت اتفاقياتِ سلامٍ مع الاحتلال. لكنّ ما لا يجب التغاضي عنه هو أن الأردن ضَمِن الحقّ في ما أسماه “ملكيات إسرائيلية خاصة”. فعن أيّ ملكياتٍ وعن أيّ حقوقٍ يتحدث؟

يعود شاكر جرار، في مقاله المنشور على موقع “حبر”، إلى عشرينيّات القرن الماضي في سردٍ لبعض الأحداثِ التاريخية التي أدّت إلى ظهورِ الادّعاء الصهيوني بامتلاك 820 دونماً من أراضي الباقورة واعتراف الأردن به، بحسب معاهدة وادي عربة. وهو ما تمّ التأكيد عليه مجدداً الشهرَ الماضي في مناقشات استرداد السيادة الأردنية على الباقورة والغمر؛ حيث قال وزير الخارجية الأردني إنّ «اتفاقية السلام اعترفت بوجود حقوق ملكية [للإسرائيليين]، وحقوق الملكية هذه تعود إلى عام 1928، عندما منح [الاحتلال البريطاني] امتيازاً لشركة كهرباء فلسطين محدودة الضمان [المملوكة لبنحاس روتنبرغ] وآلت بعد ذلك الملكية إلى جهاتٍ “إسرائيلية”. وهذا ما اعترفت به اتفاقية السلام، وهذا ما نحترمه».

بدأت مسألة “الملكيات الإسرائيلية الخاصة” عندما اشترى مستثمرٌ صهيونيٌ اسمه “بنحاس روتنبرغ” 6000 دونمٍ في الباقورة من الحكومة الأردنية عام 1928، ثمّ انتقل 820 دونماً منها إلى “ملكيات إسرائيلية”.

في هذه المقالة، يطرح الكاتب سؤالاً حول شرعية بيع هذه الدونمات لـ”روتنبرغ”، ويحاولُ الإجابةَ عليه عبر الخوض في رواياتٍ وقراءاتٍ تاريخية تثبت بطلان البيع وما ترتب عليه. كما يقدم الكاتب قراءةً معمّقةً في كيفية تعامل الجانب الأردنيّ مع مسألة “الملكيات الإسرائيلية الخاصة” في معاهدة السلام؛ إذ حصلت “إسرائيل” على اعترافٍ بحقها في امتلاك 820 من أراضي الباقورة دون أن تمنح اعترافاً بملكياتِ مئاتِ الآلاف من المواطنين الأردنيين في فلسطين قبل عام 1948.

وأخيراً، يرى الكاتب أنّ الحكومة الأردنية مُلزَمةٌ بمصارحة الرأي العام بخصوص تفاصيل الملكيات “الإسرائيلية” الخاصة، ومدى شرعيتها. كما أنّها الجهة المسؤولة عن الإفصاح عن قاعدة البيانات الخاصة بأملاك الأردنيين في فلسطين باعتبارها حقوقاً تاريخيةً جماعيةً مرتبطةً بجوهر حقّ العودة.

للقراءة، من هنا

الإيكولوجيا العمرانية وعلاقات الجوار والهاجس الأمني: مدينة الدار البيضاء نموذجاً

كلّ بناءٍ مدينيّ يحملُ معه بناءً اجتماعياً ما. ترصدُ هذه الدراسة أثرَ الإيكولوجيا العمرانية في مدينة الدار البيضاء بالمغرب على تغيّر العلاقات الاجتماعية؛ حيث الانتقال من نمطِ عيشٍ عمرانيّ في أحياءٍ من الصفيح إلى نمطٍ مدينيّ في أحياءٍ من البنايات الجماعية.

يؤطّرُ الباحث عبد الرحمن رشيق، في مقاله المنشور على موقع ” السفير”، السياسةَ العمرانية في الدار البيضاء ضمن التأثّر بالنظام الرأسماليّ الجديد الذي فرضته الهيمنة الاستعمارية، فبفعل الأخيرة جرت التحولات باتجاه تمدّنٍ كثيفٍ وسريع. من ناحيةٍ أخرى، جرى تبدّلٌ على تدخّل الدولة في مراقبةِ السكان؛ إذ لم تَعُد تقتصر على العنف الجسديّ بل صارت تعتمدُ على التصميم العمراني المرتكز على سياسةٍ مكثفةٍ للسكن الاجتماعيّ.

رغم تلك القبضة السُلطوية، إلّا أنّ الباحث يشير إلى الضعف الملاصق للدولة في ضبط صيرورة التمدّن بما يخدم مصالحَها وتوجهاتِها. فبعد أن قامت بتفكيك أحياءِ السكن الصفيحيّ وجدت نفسها أمام عشوائياتٍ داخل فضاءِ المدينة.

تُظهر الدراسةُ، بالتحليل المبنيّ على إحصائياتٍ ومقابلاتٍ أجراها الباحث مع عينةٍ من الذين تم استهدافهم بنقلهم إلى نمط الأحياء المدينية العمودية المكتظة، مدى التحولات التي طرأت على العلاقات الاجتماعية، حيث تعزّزت قيمُ الفردية والمنافسة المادية وغابت قيمُ التكافل الاجتماعي والروابط المتينة. بالمحصلة صارت العلاقاتُ الاجتماعية قائمةً على فرض المسافة بين أبناء المجتمع الواحد بعد أن كانت هذه المسافة غائبةً بالكلّية في المجتمع قديماً.

للقراءة، من هنا