رغم أنّه لم تمضِ فترة طويلة على تفشي فيروس “الكورونا”، بدأت منذ اللحظة الأولى دراسة النتائج والانعكاسات المباشرة، وتلك المحتمَلة، لهذه الجائحة، على مختلف الأصعدة، وتأثيراتها على حياة البشر ومختلف مجالات النضال السياسي والاجتماعي. اخترنا لكم أربع مقالات في “رادار” تعكس جوانب من هذه النقاشات، نبدأها بتحليلٍ حول علاقة الجائحة بالسوق العالمي، ثمّ نلقي نظرةً على الدور المهم لصغار الفلاحين والدكاكين الصغيرة في مجابهة الوباء، ونختم باستقراء تأثيرات الوباء السياسية والاقتصادية والحديث عن السياسات المناهضة للرأسمالية في زمن “الكورونا”.  قراءة طيبة

“الفيروس الصيني”، السوق العالمي

مع بدء تفشي فيروس “كورونا”، كان التهديد الرئيسي يتمثّل في قطع سلاسل التوريد الصناعية وسلاسل الإمداد حول العالم. في الواقع، لا يُمكن فصل هذا الوباء عن دور السوق في عالمنا اليوم، ولا يمكن حصر سبب تفشيه بطفرةٍ أو ظروفٍ  طبيعية، دون النظر إلى الروابط التجارية واسعة النطاق. في هذه المقالة المطوّلة المنشورة باللغة الإنجليزية في مجلة (N+1) الأمريكية،  ينظر “أندرو ليو” في علاقة السوق العالميّ بالجائحة، مناقشاً مسار الفيروس الذي مثّل محاكاةً لمسارات السوق العالمية في القرن الحادي والعشرين.

على الرغم من غطرسة الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بمسمّى “فيروس كوفيد-19″، وإصرار “ترامب” المستمرّ على استخدام مسمياتٍ عنصريةٍ ضدّ الصين في توصيف الفيروس، يدعو هذا المقال لعدم تجاهل حقيقة أنّه بدأ في “ووهان” تحديداً، وليس في أي مكانٍ آخر في الصين. فهي مركز تصنيع السيارات والصلب، وتقع خارج قلب المدن المتلألئة، ويصنّفها الكاتب كمدينةٍ رئيسيةٍ من “درجةٍ ثانية”.  إذ كانت قبل التصنيع بمثابة مركزٍ وسيطٍ بين المحيط والصين الداخلية، وذلك لتسهيل حركة البضائع مثل الأرز والحرير، ثمّ لحقت في العقود الأخيرة بركب أحدث مراحل العولمة، في الوقت الذي واصل رأس المال الدولي التوغّل فيها.

وفيما يخص مصدر انتقال الفيروس إلى الإنسان، وعادات الأكل في الصين، يدحض الكاتب الادّعاءات القائلة إنّ الموروثات الشعبية والعادات الاجتماعية الصينية، بما في ذلك الطب الشعبي، هي المسؤولة عن تفشّي الوباء وانتشاره، موضحاً أن تحرير السوق جعل العديد من الصينيين أثرياء، ليصبح الاستهلاك الواضح علامة تقدّمٍ لهذه الطبقة، بينما تقدّمت التجارة غير المشروعة. لذا، يعزو الكاتب تجارة واستهلاك الأنواع النادرة من الحياة البرية للمعجزة الاقتصادية الصينية.

علمياً، تمّ التوصل لتفسيرٍ حول الخصائص الطبيعية للفيروس وطرق انتشاره، وما زال البحث المحموم مستمرّاً لمعرفة المزيد حول نشوئه والتوصّل للقاح. ولكن، يجادل هذا المقال أنّ جائحة العام 2020 ليست كارثةً طبيعية فحسب، بل هي كارثة اجتماعية. إذ ساهمت عوامل سياسية واجتماعية وتاريخية عدّة في تشكيل التوزيع الحقيقي للفيروس وانتشاره الواسع من خلال النشاطات التجارية والسياحية والتعليمية. هذا التشابه بين أنشطة السوق والفيروس هو ما سبّب صعوبةً أكبر في احتوائه. وهذا هو التبادل العالمي المعاصر في أعلى درجاته.

في المقابل، لم يأتِ تركيز السياسيين على الخسائر المحتملة في سوق الأسهم، بدلاً من المخاطر الصحية، نتيجة عدم فهمٍ للآثار الصحية المترتبة على الإصابة بالفيروس كما يصوّر البعض. فهذا التركيز هو نتيجة إدراكٍ تامٍ لحقيقة وقوف المرض عائقاً بين الناس وقدرتهم على إنفاق المال والذهاب إلى العمل، وهو ما يفسّر محاولات “الموازنة” بين الأرباح وحياة الإنسان.

تكشف هذه الديناميات عبثيةً أساسية في قلب مجتمعنا العالمي والنظام الذي نعيش في ظلّه. نظامٌ لا يهدف إلى تلبية رغباتنا وحاجاتنا، إنّما لتسليع كلّ شيء، وتصنيع وبيع وشراء واستهلاك السلع في دوّامةٍ لا نهاية لها. وعلى عكس غيرها من الكوارث البشرية، لم يدمّر تفشي الفيروس قدرتنا على الصناعة؛ في الواقع، يوضح الكاتب أنّه قد يكون أدى إلى أكبر تراكمٍ على الإطلاق لاثنين من أهم المواد المفيدة المعروفة للبشرية: النفط والصلب، بيْد أنّ أسابيع من الحجر الصحي بخّست قيمتها.

 إن وفرة السلع هذه لا تعفينا من الحاجة المستمرة لتأمين القوت والاحتياجات، بل على العكس تجعلنا أكثر فقراً. وبالنظر إلى النظام الاجتماعي لتنظيم الثروة والقيمة، لا عجبَ أن مطالبة المواطنين بالحدّ من النشاط التجاري كان أمراً مستحيلاً. فهناك نظامٌ عالمي كاملٌ قائمٌ على التربّح، وله قوانينه وحوافزه البنيوية، ما يجعل احتواء الفيروس مسألةً تتجاوز التعقيم والالتزام بالحجر المنزلي. ويحاجج الكاتب هنا أنّ أفضل حمايةٍ ضدّ الوباء هي القدرة على الانسحاب طواعيةً من الرأسمالية.

 كشف لنا الوباء  أنّه لا يمكن للتقسيم الدولي للعمل الاستمرار كما هو اليوم، ما لم تظلّ جميع أجزائه تعمل بشكلٍ جيد. مثلاً، على الرغم من كون منصّات النفط السعودية ومصانع الصلب الصينية على ما يرام، إلا أنّها مهددةٌ بالانفجار مع وجود المركز الغربي في الحجر، وكذلك الاقتصاد العالمي ككلّ.

ولكن، لا يُمكن تجاهل التفاوتات الاجتماعية والطبقية، وأولئك الذين يعتمدون بشكل وثيقٍ على السوق من أجل بقائهم اليومي، فهم الأكثر عرضةً لخطر العدوى، ولا يملكون رفاهية الانسحاب من السوق، على عكس الأغنياء والطبقة الوسطى.

للقراءة، من هنا

صغار الفلاحين ومعركة كورونا: غائبون عن خطط الدعم.. حاضرون في خطوط الإمداد

فيما يجتاح وباء “الكورونا”، الناجم عن تفشي فيروس “كوفيد-19″، العالم بأسره بمختلف قارّاته ودوله ونظمه السياسية والاجتماعية ملحقاً مزيداً من الضحايا، بين وفياتٍ وإصابات، وشللاً واسعاً في الحياة العامة، وخسائر اقتصاديةً هائلةً لا يمكن حتى الآن توقع حجمها، يجدر الالتفات إلى الدور البارز الذي تلعبه بعض الفئات في إنقاذ البشرية في هذه الظروف الاستثنائية. وإذا كان الأطباء والعاملون في المرافق الصحية يتقدمون الصفوف، بكلّ جدارةٍ واستحقاق، في التصدّي لهذا الوباء وتخفيف آلام البشرية، فإنّ هناك فئاتٍ أخرى تلعب دوراً حاسماَ، وهذا ما يتطرق له هذا المقال عن صغار الفلّاحين ومعركة “كورونا”، والمنشور على موقع “منصة“.

يلعب صغار الفلاحين الدور الأكبر في توفير الإمدادات الغذائية للفئات التي فُرض عليها الحجر الصحي ولازمت بيوتها، أو توقفت عن العمل، أو تلك التي واصلت عملها بسبب طبيعته الاستثنائية. اللافت أن هذه الفئة من المزارعين هي الأقل إثارةً لاهتمام وسائل الإعلام والمسؤولين، وهي التي تلعب دوراً جوهرياً وحاسماً في توفير الطعام اليومي ومقوّمات الوجود، بما في ذلك بعض المنتجات الزراعية ذات الصلة الوثيقة بالمعقّمات والأدوية، وذلك على الرغم من أنّ هذه الفئة (صغار الفلاحين الذين يعملون ضمن نظمٍ قائمةٍ على الحيازات الصغيرة والزراعات العائلية)، هي أقلّ الفئات حصولاً على الدعم، بل إنها كانت عرضةً للتهميش والتصفية والمنافسة غير العادلة من قبل الرأسمالية الزراعية والإنتاج الكبير.

ولا يحظى الفلاحون الصغار بأيّ فرصةٍ لترف العمل من المنزل، بل يتعرّضون لمخاطر جمّة، سواءً في تنقّلاتهم أو أثناء وجودهم في العمل، وهم الذين يتعرضون ويناضلون بشكلٍ يوميّ ضد الظلم والتهميش من جانب الدول والحكومات التي لا تتوقف عن اتهامهم بأنّهم العقبة الرئيسية أمام تطوّر قطاع الزراعة.

يركّز هذا المقال على عمل صغار الفلاحين في مصر حيث تقوم هذه الفئة بتزويد نحو 63% من احتياجات مصر الزراعية، ويستوعب هذه القطاع 25 % من قوة العمل، ويرى الكاتب أن ثمّة حاجةً ماسةً وبالغة الأهمية لدعم هذا القطاع بتوفير سبل الحماية له من تفشي الوباء أولاً، وثانياً في استخلاص العبر والدروس اللازمة من الآثار البيئية الخطيرة لنمط الزراعات الرأسمالية التي تبنتها النيوليبرالية والقائمة على تدمير البيئة، والحاجة إلى حماية ودعم القطاع الزراعي الفلاحي التقليدي.

للقراءة، من هنا

عودة الدكاكين: كيف أصبح «ضحايا النمو» خيارًا للمواجهة؟

مع اتّباع سياسة الحجر والإغلاق لمجابهة وباء “الكورونا” المستجِد، طرأت تغيراتٌ تمكّنّا من ملاحظتها على الفور، وربما أكثرها لفتاً للانتباه هي استعادة البقالات والمتاجر الصغيرة حظوتها بين الناس، وهو ما يناقشه أحمد خليل في هذا المقال المنشور على “حبر“، محاولاً الإجابة على سؤاله الرئيسي “كيف أصبح ضحايا النمو خياراً للمواجهة؟”

مع نشوء وتضخّم المتاجر الكبيرة و”المولات” في العقود الأخيرة، وجدت المتاجر والبقالات الصغيرة نفسها أمام منافسين شرسين، مع تقلّص هامش الحركة أمامها على مستوى طبيعة السلع والأسعار. يأخذنا الكاتب في هذا المقال إلى جولةٍ سريعةٍ في عمّان الشرقية خلال الحظر، ملاحظاً الارتفاع الذي شهدته البقالات والدكاكين في حجم النشاط التجاري، في مقابل تراجع الإقبال على المحلات الكبرى، والتي من المفترض أن تملك هوامش أوسع للصمود، في ظلّ المخاطر الصحية لارتيادها.

وعلى عكس الميل الذي ساد خلال العقدين الأخيرين نحو مركزة المدخولات لصالح الأقلية، وفي ظلّ الحاجة إلى تزويد السكان بالسلع المختلفة، ينبّه الكاتب إلى توسّع العمالة في المحلات الصغيرة والمتوسطة لمواكبة الطلب المتزايد خلال الأزمة، والذي يعني، بالضرورة، أن العائد اتّخذ منحىً توزيعياً أفضل، لتكون هذه المتاجر الصغيرة حلّاً، ولو جزئياً، لمواجهة هكذا أزمة. في المقابل، يقرأ الكاتب التلميح الضمني في الخطاب الرسمي الموجّه للقطاع الخاص لتحمّل مسؤوليته العامة ما يتناقض مع ما كان دارجاً في خطاب النموّ ومنح القطاع الخاص والاستثمار وعود الحرية الكاملة المتحرّرة من الالتزامات الوطنية.

وبحسب الكاتب، تحفّز تجربة عودة الدكاكين لفتح  نقاشٍ اقتصاديّ تنموي على المدى البعيد، خاصةً مع بدء الدول الكبيرة والصغيرة الالتفات إلى الداخل المحلي الذي من المتوقع أن يتعزّز في الفترة المقبلة. كما يختم المقال بأنّ خلاصاته أوليةٌ، وأن الوضع العام يحتمل الكثير من التطوّرات والنتائج على المديين المتوسط والطويل.

للقراءة، من هنا

السياسات المناهِضة للرأسمالية في زمن “الكوفيد-19‎”

يحاول “ديفيد هارفي” في مقالته المنشورة على مجلة “جاكوبين“، ترجمها علاء بريك الهندي لموقع “أوان“، أن يستقرئ تأثيرات انتشار فيروس “كورونا”، طارحاً مجموعةً من الأسئلة الشائكة عن الطرف الذي سيتولّى إنقاذ العالم واجتراح الحلول التي تمكّن من تجاوز هذه الجائحة: هل ستكون الصين (التي كان لها فضل الخروج من أزمة 2007- 2008) أم، ويا للمفارقة، الولايات المتحدة الأميركية؟

يناقش “هارفي” تأثيرات الفيروس، مؤكداً أنّها جاءت أصلاً على خلفيات أزماتٍ كامنةٍ  ناشئةٍ عن الانسدادات والانقطاعات الدائمة في استمرار تدفّق رأس المال، ونابعةٌ من طبيعة الاقتصاد الرأسمالي باعتباره عالماً من التناقضات الداخلية في إطار السعي اللامتناهي للربح، ونموذجاً غاية في التعقيد للتنافسات الجيوسياسية والتطور الجغرافي اللامتكافىء، والمؤسسات المالية، والانقلابات التكنولوجية، متقاطعاً مع عالمٍ من المطالب والرغبات البشرية وشهوة المعرفة، في بيئةٍ من الترتيبات والصراعات والمواجهات الأيديولوجية والإحباطات، تجري جميعاً في عالمٍ موسومٍ بالتنوع الجغرافي والثقافي والسياسي.

ويدلّل “هارفي” أنّ الكورونا جاءت على خلفية أزمةٍ تعتمل في النظام العالمي بسيل الاحتجاجات الذي يعمّ العالم (من سانتياغو إلى بيروت) لأنَّ النموذج الاقتصادي السائد لا يخدم جمهرة الشعب. ويستند النموذج النيوليبرالي بصورةٍ متزايدةٍ إلى رأس مالٍ وهميّ وعلى توسّعٍ مهولٍ في المعروض النقدي وخلق الديون.

ويجزم “هارفي” أنّ الآثار الاقتصادية والسكانية لانتشار الفيروس تعتمد على ما يوجد في النظام الاقتصادي القائم من صدوعٍ ونقاط ضعف، رافضاً الادّعاء بمسؤولية الطبيعة عن الجائحة؛ فالظروف التي تغدو فيها طفرةٌ من الطفرات مهددةً للحياة تتوقف على أفعال البشر، لافتاً إلى أنّ تأثيرات انتشار “الكورونا” تعتمد على ما يُحدثه النظام الرأسمالي القائم من تأثيراتٍ في الطبيعة والمجتمعات البشرية، مثل قضية التغيّر المناخي، ومنظومات الإمداد الغذائيّ المكثّفة والمنفلتة، فضلاً عن التجمّعات السكانية المكتظة. ويرى الكاتب أنّنا نعيش في عالمٍ شديد الترابط حيث تسافر أغلبيتنا الساحقة. والشبكات البشرية لانتشار الفيروس المحتمَل هي شبكاتٌ شاسعةٌ ومفتوحة.

يلاحظ الكاتب أنّ الصين تحرّكت بسرعةٍ لاحتواء تأثيرات الوباء، بينما تعامل بقية العالم مع المشكلة على نحوٍ خاطئ بوصفها شيئاً يجري هناك “بعيداً” عن الأنظار (وترافق ذلك مع بعض علائم رهاب الأجانب (xenophobia) معادٍ للصين في مناطق معينة من العالم). بل إنَّ دوائر معينة في إدارة “ترامب” احتفت بالخنجر الذي يغرسه الفيروس في القصة المُظفَّرة للنمو الصيني.

ولكن، سرعان ما بدأت في الانتشار قصصُ الانقطاع في سلاسل الإنتاج العالمية التي تعبر “ووهان”، وجرى إلى حدٍّ بعيد تجاهل هذه القصص أو معالجتها على أنَّها مشاكل مرتبطةٌ بخطوط إنتاج أو شركات بعينها (مثل “آبل”). لكنّ الانتشار اللاحق والمتسارع للوباء في كوريا الجنوبية ثم إيران،  وبعد ذلك وصوله إلى أوروبا وتفشيه في إيطاليا، بدأ بإثارة ردود فعلٍ تتسم بالهلع.

مع تفشي الوباء، تكشفت المشكلة الكبرى وهي أن منظومات الرعاية الصحية، في كلّ مكانٍ تقريباً، تعاني من نقصٍ في الأيدي العاملة. أربعون عاماً من الليبرالية الجديدة تركت البشر مكشوفين تماماً وغير مهيئين لمواجهة أزمةٍ صحية كهذه، وذلك  بفعل سياسة التقشّف الهادفة لخفض الاقتطاعات الضريبية وتقديم الإعانات للشركات والأغنياء.

وليس لدى شركات الدواء الكبرى اهتمامٌ بالبحث غير المجزي حول الأمراض المعدية، هذا إن كان لديها أيُّ اهتمامٍ بذلك. وقلّما تستثمر في أمور الوقاية. وليس لديها اهتمامٌ بالاستثمار في مجال الاستعداد لمواجهة أزمةٍ صحية عامة. وهي مغرمةٌ بتقديم العلاجات. وكلّما مرضنا أكثر، كسبت أكثر. أمّا الوقاية، فلا تسهم في زيادة قيمة الأسهم. ففي مجال الصحة العامة، كما في باقي المجالات، منطق “البيزنس” والربح هو السائد.

يرى  “هارفي”  أن  “كوفيد-19” هو انتقام الطبيعة إزاء أكثر من 40 سنةً من سوء معاملتها الجسيمة والمتعسّفة من قِبَل نزعةٍ نيوليبراليةٍ متوحشةٍ ومنفلتةٍ من كلّ عقال.

وردّاً على الادعاء أنّ الفيروس لم يعرف الحدود والفواصل الطبقية، يرى الكاتب العكس. إذ يحمل الفيروس جميع خصائص الوباء الطبقيّ والعرقيّ والجندريّ. فمثلاً، تواجه الطبقة العاملة في الولايات المتحدة (المكوّنة في الغالب من الأفرومريكيين واللاتينيين والنساء) خيارَيْن أحلاهما مُرّ: إما العدوى باسم الرعاية وإبقاء مهنٍ رئيسة (كمحلّات البقالة) مفتوحةً، أو البطالة من دون أيّ استحقاقات (كالرعاية الصحية اللائقة).  ولا يستبعد “هارفي” أن يطول تأثير الفيروس أكثر من سنة. مع ما لذلك من تأثيراتٍ كبرى، أبرزها ارتفاع مستويات البطالة لتناهز تلك التي سجّلتها ثلاثينيّات القرن المنصرم، في غياب تدخّل الدولة لتعارضه مع روح النيوليبرالية.

لكنّ السؤال الأبرز الذي يطرحه الكاتب، بنوعٍ من الكوميديا السوداء: في حال لم تستطِع الصين تكرار دورها في أزمة 2007-2008، هل سينتقل عبء الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى الولايات المتحدة؟ وهنا قمّة المفارقة: لأنَّ السياسات الوحيدة الناجعة، على المستوييْن الاقتصادي والسياسي، سوف تكون أكثر اشتراكيةً من أيّ شيءٍ اقترحه “بيرني ساندرز”، وسوف يكون إطلاق برامج الإنقاذ هذه برعاية “دونالد ترامب”، خلف قناع “إعادة أميركا عظيمة من جديد”.

للقراءة، من هنا