يقدّم لكم فريق “باب الواد” أربعَة مقالاتٍ حجزت مكانها على “رادار” شهر حزيران، والتي تأخذنا إلى عالمٍ مؤلمٍ في انتظار حكم الإعدام في مصر الكسولة الذكريّة المثيرة للجنون التي استحالت ماكينةً لإنتاج الأجساد “المستحقة” للقتل، انتقالاً إلى التوصية بضرورة إعادة كتابة التاريخ لتجاوز النكبة والتأسيس لمسارٍ ينذر بنهاية الكيان الصهيوني، ومروراً بدور الاستعمار والأيديولوجيا الكولونيالية في تقسيم الصحراويين عبر تشييد الجدار المغربي، وانتهاءً بالبحث في استراتيجية العدوّ في إعادة الإنتاج المستمرة للجغرافيا والديمغرافيا في الجولان السوري المحتل، وما يتعدّى ذلك باستهدف المعرفة والهوية للسكان الأصليين.

يقدّم لكم فريق “باب الواد” أربعَة مقالاتٍ حجزت مكانها على “رادار” شهر حزيران، والتي تأخذنا إلى عالمٍ مؤلمٍ في انتظار حكم الإعدام في مصر الكسولة الذكريّة المثيرة للجنون التي استحالت ماكينةً لإنتاج الأجساد “المستحقة” للقتل، انتقالاً إلى التوصية بضرورة إعادة كتابة التاريخ لتجاوز النكبة والتأسيس لمسارٍ ينذر بنهاية الكيان الصهيوني، ومروراً بدور الاستعمار والأيديولوجيا الكولونيالية في تقسيم الصحراويين عبر تشييد الجدار المغربي، وانتهاءً بالبحث في استراتيجية العدوّ في إعادة الإنتاج المستمرة للجغرافيا والديمغرافيا في الجولان السوري المحتل، وما يتعدّى ذلك باستهداف المعرفة والهوية للسكان الأصليين.

حالاتٌ من الانتظار: عقوبة الإعدام في مصر الحديثة

في دراسةٍ عظيمةٍ ومؤلمةٍ نُشرت في مجلة “كُحل” لأبحاث الجسد والجندر (مجلد 4، عدد 1، صيف 2018)، تبحث أميرة محمود عثمان في المعِيْش اليومي للسجين السياسي الذي ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بحقه في مصر، مستندةً بشكلٍ أساسيٍّ على بحثٍ ميدانيٍّ وإثنوغرافيٍّ ونظريٍّ حول مفاهيم الوقت والدولة والأجساد والإرهاب والقانون والرغبات المتخيلة. تلتمس الدراسة هذه المفاهيم عبر التركيز على الاحتكاكات اليومية بين المعتقلين وعائلاتهم وشخصيات الدولة الرسمية، فضلاً عن البحث في مسألة إنتاج الأجساد “القابلة للقتل” في الدوائر السياسية في مصر الحديثة، كما تعالج مفهوم الوقت والزمانيات داخل زنازين المحكومين بالإعدام وفعل رفض الانتظار.

تدرس عثمان الممارسة الروتينية للنظام المصري في استسهال وإطلاق أحكام الإعدام، وفقاً للقانون الخاص الذي أقرّه عبد الفتاح السيسي لمكافحة الإرهاب، والذي يحدّد أكثر من 15 جريمةً عقوبتُها الإعدام. كما تطرح الباحثة إشكالية خطاب محاربة الإرهاب، وتقترح تشكيل فهمٍ لإنتاج الدولة لأجسادٍ “إرهابيةٍ” مُجندرةٍ ومُستحقةٍ للموت، وكيفية دفع الدولة هذه الأجسادَ لتبني الحكم والمطالبة بالعقاب بلّ والتوق إلى الموت.

تكشف الدراسة، من خلال ممارساتٍ وخطاباتٍ مرتبطةٍ بعقوبة الإعدام في مصر، درجة تورّط الدولة في نسيج الحياة اليوميّة بحجّة الأمن والأمان، وبسط سلطتها على إدارة الحياة والموت على هؤلاء “المجرمين”، الذين زعزعوا الثنائيات الجندرية التي تستند إليها الدولة في مزاعم الوطنية والوحدة، بالإضافة إلى رغبة الدولة بالتمتع بحق تملُّك سلطةٍ على الموت. تتلاعب هذه الدولة في الوقت، بل هي قادرةٌ أيضاً على تمييع مسؤوليتها في القتل بمسوغات البيروقراطية. فهي دولة  الّلا-أحد، حيث لا أحدَ مسؤولٌ، ودولةُ الجميع في ميدان الموت، حيث الجميعُ مسؤولٌ.

ختاماً، تخلُص الباحثة إلى أنّ هذه الاستخلاصات تختزل آلام الوقت وانتظار السجين الدائم، إلى أن يتوقّف عن “أن يكون”، فهذه الأجساد ليست قادرةً على التوقف عن الانتظار فحسب، بل على استعادة فاعليتها، وتجاوز الإدراكات الدنيوية الخاصّة بمفاهيم الوقت والدولة والعدالة الهزلية.

للقراءة، من هنا.

ما النكبة؟
*من مقدّمة كتاب يصدر قريباً للكاتب عن النكبة

في مقدمة كتابه الجديد حول النكبة، والتي نُشرت في مجلة “الآداب” اللبنانية، يطرح سيف دعنا مجموعة تساؤلاتٍ حول مفهوم النكبة وإمكانية توصيف الحاضر بغية النظر في منطق السردية التاريخية التي استندت إليها أدبيات النكبة، وفي أسس هذا المفهوم ومنطقه. يرى الكاتب في القرن العشرين، وبفعل متغيرات السياسة والأيديولوجيا والصراع، نموذجاً قائماً لإعادة كتابة التاريخ.

يحاجج دعنا بأن التعامل مع “النكبة” بوصفها مساراً حتميّاً وقدراً واقعاً أدّى إلى إنتاج خرافة “إسرائيل” في العقل العربي، ولعب دوراً محورياً في انهيار صيغة التحرر الفلسطيني. على وقع ذلك، يرى دعنا أنّ ثمّة إمكانيةً للاستناد إلى مكوِّنات الحاضر والماضي، وإعادة النظر في مفهوم النكبة وقراءة الحدث والتاريخ بشكلٍ جذريٍّ في سبيل صياغة استراتيجات لتجاوز هذا الحدث؛ أيّ النكبة، والتأسيس لمسارٍ جديدٍ ينذر بنهاية الكيان الاستعماريّ الصهيونيّ في فلسطين.

يحاول الكاتب استكشاف العلاقة بين الحاضر و”المستقبل المتخيل” في الماضي، وإمكانية بثّ حياةٍ في الحاضر، واستنباط آفاقٍ وإمكانياتٍ جديدةٍ؛ بمعنى أن نقرأ التاريخ الفلسطيني صعوداً في الزمن، وأن نتعامل بأنّ الحاضر (أوسلو)، لا الماضي (النكبة- ولاحقاً النكسة)، هو الأصل والمنشأ في السرد، لا العكس، من أجل أن “يصبح النقدُ نقدًا للظروف والعقليّة والأدواتِ النظريّة واللغويّة والكفاحيّة التي شكّلتْ خيالَ مَن كتبوا عن النكبة في كلّ حقبة، وليس نقدًا لأشخاصهم”.

وعلى وقع هذه الأسئلة، لا يرى دعنا اتفاقيّة أوسلو ذروةَ النكبة، خاصةً مع تقديس السلطة الفلسطينية للتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، بل يرى فيها نتيجةً لما تمّ التأسيس له، ممارسةً وتنظيراً، منذ الأربعينيات ومع تأسيس الثورة الفلسطينية، ويضيف: “إنّ السلطة الفلسطينيّة و”نخبة” أوسلو هما نتيجةٌ لمسارٍ جرى التأسيسُ له في أعقاب النكبة، وما يزال مستمرًّا، وليستا نتيجةً لفشل الثورة في مواجهة التحدّيات الهائلة، أو لتراجع الاستعداد الشعبيّ للتضحية، على ما تشهد كلُّ الانتفاضات التي عرفتها”.

ختاماً، يخلُص دعنا إلى أنّ الكتاب هو نتيجةٌ لظروف العصر ومحاولةٌ لإدراك مجالات المعرفة ووضعها في سياقٍ تاريخيٍّ يتواصل مع المعرفة السابقة له ويبني عليها، ويدعو للبدء في التوصيف النظري للحاضر السياسي وعلاقته بروايتنا للتاريخ، أو طموحاتنا للمستقبل.

للقراءة، من هنا.

الجدار المغربي: دور الاستعمار والأيديولوجيا الكولونيالية في تقسيم الشعب الصحراوي

في رحلةٍ إلى شمال غرب إفريقيا، تحديداً إلى إقليم الصحراء الغربية، حيث آخرُ مستعمرةٍ في القارة، تأخذنا الكاتبة “لوث مارينا ماتيو” إلى الشعب المحاصر خلف الجدار المغربي؛ أحد مظاهر الاستعمار الإسباني الذي ينعكس بتجلياته على مختلف القطاعات الحياتية للشعب الصلب الذي لم يخضع لسيادة أيٍّ من الدول التي تحاصره، فيما تمكنت قبائله من الحفاظ على وحدتها واستقلاليتها وتشكيل جيشها المدافع عنها.

المقال الذي نشره موقع “صحراوي”، بترجمة عدنان ولد منصور، يغوص فينا وصولاً إلى عام 1884-1885، إذ نتج عن مؤتمر برلين حينها الوجود الإسباني في إفريقيا كقوةٍ استعماريةٍ، لتبدأ حكاية الإقليم الصحراوي المحتل الذي سلَّمه الاستعمار الإسباني عام 1975 إلى المغرب وموريتانيا، وهو ما رفضه القانون الدولي، إذ لا يحق للمستعمر أن يُسلِّم إقليماً مستعمراً من طرفه إلى دولٍ أخرى، إلا أن الملك المغربي قرر في ذاك العام حتى 1991 قيادةَ حملةٍ أسماها “المسيرة الخضراء”.

استهدفت تلك الحملة سكان الإقليم بغارات الفسفور الأبيض وقنابل النابالم، والاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، والإعدامات الجماعية، لتتسبب هذه الحملة بنزوح الآلاف إلى الصحراء الجزائرية، حيث لا يزالون هناك حتى يومنا هذا، فيما تراجعت موريتانيا بعد ثلاث سنوات، والتزمت باتفاقية سلامٍ وقّعتها مع مقاتلي الجمهورية الصحراوية (جبهة البوليساريو).

تنقلنا الكاتبة في مقالها، إلى عام 1980، حينما شرعت المغرب ببناء جدارٍ يهدف لعزل إقليم الصحراء الغربية ومنع تقدم مقاتلي جيش التحرير الشعبي الذي تأسَّس مدافعاً عن الإقليم، ليرتفع الجدار إلى حوالي مترين ونصف على طول 2.720 كيلومترات، محاطاً بملايين الألغام والمتفجرات، ويُقسِّم بدوره الشعبَ الصحراويَّ إلى جزئين؛ أحدهما محاصرٌ داخل الجدار، والآخر مهجرٌ في مخيمات اللاجئين في الصحراء الجزائرية، لتمتد تأثيراته لما هو أبعد من التجاوزات الإنسانية والقانونية التي تنص عليها القوانين الدولية، إذ ما عزَّزه طيلة هذه السنوات جدارٌ من الصمت، رغم محاولاتٍ عدةٍ تضمنت إنشاء هيئاتٍ مختلفةٍ، وتنظيمِ مؤتمراتٍ هدفُها فضحُ جرائم الجدار والحديث عن انعكاساته.

إنّ الجدار المغربي، الذي لا يزال يُقسِّم الشعب الصحراوي، يفرض عليه نمطَ حياةٍ جديدةٍ يحوْل دون تطوره وتقدمه كما الشعوب الأخرى، ويسعى إلى إشعاره بالاغتراب وإدامة دونيته، بل ويُخضِعه لتعقيداتٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ تتورط فيها دولٌ أوروبيةٌ دعمت وموَّلت وساهمت في بناء الجدار. ختاماً، يعبّر ذاك الجدار عن الاستعمار والأيديولوجيا الكولونيالية طيلة القرون التي مرت على إنسانٍ في إقليم الصحراء الغربية؛ الإقليم المهان والمقموع والمنهوب، الباحث عن الحرية، الساعي بنضاله إلى إزالة الظلم الواقع عليه وفضحه.

للقراءة، من هنا.

المحو والترحيل في الجولان السوري المحتل: حول سياسات توطين المستعمَر والترانسفير المفاهيمي

اصطدمت مخططات المحتل الاستعمارية بوجود الشعب الأصلي في الجولان السوري، ما استوجب عليه خلق معادلةٍ جديدةٍ قائمةٍ على إنتاج حيزه الاستعماري عبر معادلة المحو والترحيل، والتي يضعنا الكاتب عامر إبراهيم في تفاصيلها في هذه المقالة المنشورة في موقع “ملفات النكبة”، والتي تدرس إخضاع الاحتلال للمشهدين الجغرافي والديموغرافي في الجولان منذ حرب عام 1967 بما يتوافق مع مشروعه الصهيوني وأهدافه.

عبر عملياتٍ واسعةٍ من القتل والتدمير ونهب الأراضي، لم يبقَ في الجولان السوري سوى سبع قرى من أصل 139 قريةً عربيةً، فيما انخفض التعداد السكاني من 130 ألف نسمة إلى ستّة آلاف نسمة بعد عام 1967، ما سرَّع عجلة إعادة إنتاج المكان جغرافياً وديموغرافياً، وخاصةً بإحلال المستوطنين مكان المهجرين السوريين، وإقامة المستوطنات والأحراش.

ارتفع عدد السوريين في الجولان اليوم إلى 26 ألف نسمة محاصرين في غيتوهاتٍ سكنيةٍ، تحدّها من الشرق الحدودُ المفخخةُ بحقول الألغام، بينما يحدها غرباً المستوطناتُ والأحراشُ المحتلةُ، إذ لم يعد هناك حيزٌ جغرافيُّ للتوسع الديمغرافي، ما خلق أزمةَ سكنٍ، ليدعي الاحتلال عام 2014 أن حل الأزمة في قرية مجدل شمس يكمن في ضمّ أراضٍ من جباثا الزيت إلى مخطط القرية الهيكلي، في محاولةٍ للتلاعب في موازين القوى السكّانية، وزج الجولان كاملاً في مشروع نهب الأراضي وإعادة إنتاج حيزها الجغرافي.

إن تنفيذ الاحتلال مخططاته الاستعمارية في الجولان السوري تعدى ما هو ماديٌّ من إعادة إنتاج الجغرافيا والديمغرافيا، نحو الجانب المعنوي المتمثل بإعادة إنتاج المعرفة والهوية للسكان الأصليين، في محاولةٍ لإنكار وجودهم، ضمن استراتيجيته الساعية لتذويبهم في مشروعه الاستعماري، ومحوّ كل ما يتعلق بالتاريخ الأصلي للمكان والسكان، وإعادة سرده بما يتوافق مع الادعاءات الصهيونية، فضلاً عن تصنيف السكان على أساسٍ عرقيٍّ ودينيٍّ، وهو ما نراه في تعامله الإعلامي مع الدروز في الجولان، كمجرد طائفةٍ دينيةٍ هربت إلى المكان، بعيداً عن هويتها الثقافية والاجتماعية والسياسية.

للقراءة، من هنا.