في ختام اليوم الدراسي (بتاريخ 14-7-2016) بمناسبة مرور عشرة أعوام على حرب تموز 2006، قدّم “عاموس يادلين”، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية في حرب تموز والرئيس الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS)، عرضًا تفاعليًا بعنوان “مركبات النجاح في حرب لبنان القادمة”.

بدأ يادلين بما أسماه “إدارة توقعات الجمهور”، والتي يعرّفها بضرورة تثقيف الجمهور الصهيوني، بأن حروب “إسرائيل” الخاطفة وغير المُكلفة قد ولّت إلى غير رجعة، وأنّ الهدف الاستراتيجي للحروب القادمة مع حزب الله وحماس، هو تحقيق أطول مدة زمنية ممكنة من الهدوء ما بين المواجهات، فلا الحسم ولا تدمير الخصم عادَ ممكنًا.

أمّا المركب الأساسي الثاني فهو: مسؤولية الدولة اللبنانية (الاستهداف المباشر للمرافق الحكومية والجيش اللبناني والبنية التحتية)، كرافعة أساسية في تحقيق “النصر” في المواجهة القادمة.

تأتي هذه التوصيات وغيرها، بالموازاة مع محاولات حثيثة “لإعادة التوازن والثقة في الجيش والجمهور الصهيوني”، عبر عملية منظمة لإعادة قراءة ما جرى في حرب لبنان الثانية “كنجاح أُسيء تقييمه وتقديره”، ومن ثمّ جرى تحويله إلى هزيمة من قبل ثلاثي: لجان التحقيق والصحافة وألاعيب السياسة الداخلية الحزبية.

وأمّا المبرر الموضوعي لعملية إعادة القراءة هذه، فهو الردع الذي وفّر 10 سنوات من الهدوء على الجبهة الشمالية، وهي المدة الأقرب “للرقم القياسي” للهدوء في تاريخ الحروب الصهيونية، وهي مدة 11 عامًا ما بين العدوان الثلاثي على مصر (1956) وحرب حزيران 1967.

إنّ التركيز على ضرورة إعادة تعريف الأهداف من الحروب القادمة ومعنى النصر والهزيمة، عبر هندسة تطلعات الجمهور الصهيوني- كتعبير مراوغ عن ضرورة تغيير المفاهيم في المعجم العسكري الصهيوني- ومن ثمّ التشديد على استهداف البنية التحتية (القصف الاستراتيجي) كمركبات أساسيّة للنجاح في الحرب القادمة، وبالنظر إلى كل الحديث -خلال السنوات الـ10 الماضية- عن ضرورة العودة إلى المناورة البرية والسيطرة على الأرض كعبرة أساسية للفشل في حرب 2006، كل ذلك يدلل بشكل واضح على أنّ حالة الرهاب من المواجهة القادمة لا زالت مستحكمة في صانع القرار الصهيوني، وذلك بالرغم من كلّ التحولات المؤاتية في البيئة الاستراتيجية للإقليم (الحرب في سوريا، تصنيف حزب الله كحركة “إرهابية” عربيًا، الصراع السني- الشيعي).

باختصار، ما زال الجرح التموزي داميًا في الذهن الصهيوني، وما زال يُشكل “الحدث المؤسس للخبرة /الذاكرة الحيّة” (في لغة خبراء الحرب النفسية الصهاينة) عند كلّ حديث عن مواجهة قادمة، يقول نيتشة “ما يَستمر في إحداث الألم يبقى في الذاكرة”. وبالألم ختم “يادلين” مداخلته، مستخدمًا ما أسماه “الألم المتبادل المؤكد MAP” لوصف المواجهة القادمة مع حزب الله،كتحوير لمصطلح “التدمير المتبادل المؤكد MAD” في الحرب الباردة، لوصف حالة التوازن/الردع النووي بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.