المشاعر في الحياة العسكرية مساحة مربكة جداً، وخصوصاً السوداء منها كالخوف، الندم، الملل، إلخ. وتعامل المؤسسة العسكرية معها لا يتبع المناهج العلمية في دراسة المشاعر ويتبعها في نفس الوقت، أو يمكن القول “يتم تجاوزها” بطريقة ما، فالخوف في حالة وجوده الطبيعية يشكّل خطراً على صناعة الجنود، لكن لا يبحث الجيش في القضاء عليه تماماً، على الخوف أن يبقى، أو أن يُبقى عليه في صورة محددة له، وهي “الخوف الجيّد” لا “خوف الأدرينالين” كما يقول أحد الجنود.

(هذا المقال هو الفصل الأول من ملف بحثي مكوّن من أربعة فصول، للاطّلاع على المفتتح التنفيذي لهذا الملف من هنا).

****

مقدمة عن تطور المشاعر وفلسفتها

في العام 1872، ختم شارلز داروين كتابه “التعبير عن العواطف عند الانسان والحيوانات” بالتأكيد على أنّ نشوء هذه العواطف في التاريخ التطوري للانسان وبسببه كان بالضرورة لتحقيق رفاهيّة، أو لنقل مصلحة ما لهذا النوع.

لم يقصد داروين بهذه الرفاهيّة للنوع الانساني (welfare of mankind) أن تأخذ فقط شكل المتعة، فهي ليست حاجة ثانوية، وإنما يصحّ القول لو أردنا إعادة صياغة كلامه، أنه في لحظة ما في هذا التاريخ التطوري العام، برزت العواطف كأداة تكيفية لضمان تحقّق العملية التطورية، أو بكلمة واحدة، البقاء[1]، وما أن أثبتت العواطف جدارتها في هذه المهمة حتى تحولت إلى ذاكرة ثانية في الجسد تضمن استمرار سير العملية التطورية، فكل شعور إذن هو ذاكرة، كما يقول صديق داروين وعالم الأحياء البريطاني توماس هنري هاكسلي، هو بقاء الماضي في الحاضرة وتجمعه فيه[2].

نسبة لداروين، تطور العواطف لدى الرئيسيات لعب دوراً تدريجياً على مستويين اثنين، نجده في كتاب “نشأة الانسان والانتقاء الجنسي” يتحدّث بداية عن عدّة تعبيرات عاطفيّة لدى الانسان والحيوان تشير مرة إلى القلق، الخوف، الغضب، الخ… وتعبيرات أخرى تشير إلى الحبّ، والتعاطف، وغيرها، ونفهم من ذلك أنّ هذه التعبيرات العاطفية من المستوى الأول، لعبت بالفعل دوراً حقيقياً وإن كان بشكل غير مباشر أحياناً في البقاء[3].

أما المستوى الثاني من هذه التعبيرات، وهي الأقلّ صراحةً في الكشف عن نفسها، يتحدث فيه داروين عن صنف آخر من العواطف التي يقرّ بأهميتها وفي نفس الوقت صعوبة ملاحظتها لدى الانسان والحيوان، وهي ما أطلق عليها تعبير “العواطف الرمزيّة” المسؤولة لاحقاً عن تشكيل أولى أساسيات القدرات العقلية العليا لدى النوع الانساني[4]، وهنا بالتحديد، تشبّثت “الداروينية الاجتماعية” و “الآنثروبولوجيا المعرفية” بقوة ،لشرعنة حديثها عن ظهور القدرات الأولى لدى الإنسان للوصول إلى الرمزيّ، كاللغة، القصديّة، التعاون، الاجتماع، الدين، وغيرها.

بعد هذا الاكتشاف الأصيل لشارلز داروين، والذي تمثّل عملياً في لفت انتباه الأنظار العلمية إلى حقيقة ودور العواطف في الحياة الانسانية، كانت الخطوة الأولى اللاحقة لعالم النفس الأمريكي ويليام جيمس الذي نشر عام 1884 أول مقالة علمية متخصصة حملت كعنوان لها سؤال “ما العاطفة؟”، وكان تعريفه لها على النحو الآتي: “هي حالة ذهنيّة يؤخذ بها الفرد وتظهر علاماتها على الجسد”[5].

ولا داعي هنا الخوض في النقاش الكبير الذي خلقه هذا التعريف، والذي تمثّل عملياً في صراع بين تيارين، تيار تبنّى سابقية ادراك الحالة على عرضها، وهو تيار جيمس بطبيعة الحال، وتيار آخر يمكن اختصاره في معنى الآية القرآنية “لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا”، أي أنه قدّم تجلّي الشعور بالفرار على إدراك ماهيته كرعب، وهو في نفس الوقت صراع بين فطريّة العواطف واكتسابها نحن في غنى عنه الآن[6].

على أيّة حال، بالرغم من أوليّة وضعف التعريف الذي قدمه جيمس، إلا أنه فتح بنصه ذاك باباً واسعا لدراسة العواطف في العلوم الانسانية، البيولوجيا، علم النفس، الخ. وما يهمنا منها، هي تلك الدراسات التي اهتمت بدراسة العواطف وتعبيراتها كظاهرة مرتبطة بالتفكير والسلوك الانساني.

أنا أشعر، أنا موجود!

لم تكن العلوم وحدها هي من اهتم بطرح سؤال العواطف، ومعنى هذا بالضرورة، أن أهمية المشاعر لم تقف في تاريخ الحديث عنها عند حدود “البقاء” كحاجة طبيعيّة ملحّة. فقد اهتمّت الفلسفة منذ بروزها بمعالجة هذه القضية، ولعلّ الآنطولوجيا وهي أحد فروع الفلسفة الذي حمل على عاتقه سؤال الوجود (ما معنى أن توجد؟) هي المجال الذي لمع فيه نجم المشاعر كثيراً، ويمكن لأي قارئ في الفلسفة ملاحظة  تردد قضية القلق عند أعلام هذه الفلسفة مثلاً

أما ما يهمنا نحن في هذا المجال الواسع، هو ما تقدّم به المتصوّف والفيلسوف الايرانيّ محمد حسين الطبطبائي. لقد حلّ الطبطائي بفطنته إشكالاً عجزت عنه كافة أعلام الفلسفة الآنطولوجية في تاريخها، وهو بيان كيف يظفر الانسان بمفهوم الوجود.

ففي حين ذهب العقليّون وزعيمهم ديكارت إلى القول بفطريّة هذا المفهوم، وكذلك كانط الذي اعتبره أحد المفاهيم الرياضيّة المصنفة في زمرة المفاهيم الفطرية لديه، وقول الحسيّين وزعيمهم جون لوك بأن “ليس هناك تصوّر في العقل لم يكن قبل في الحواس” وهكذا الامر لمفهوم الوجود، قال الطبطائيّ بسقم هاتين النظرتين، العقليين “حيث فرضوا للعقل خصوصية ذاتية في إبداع بعض المفاهيم، دون تدخّل أي قوّة أخرى”، والحسّيين “حيث حصروا فعالية العقل في تجريد وتعميم وتجزئة وتركيب الصور الحسيّة”.

ويقول: “نقرر أن العقل الإنساني يمارس لوناً آخراً من النشاط نطلق عليه مصطلح الانتزاع، وقد وسم في هذه المقالة بـ “الاعتبار”. وهذا الانتزاع أو الاعتبار هو الذي خلق للذهن البشري البديهيات الأولى التصورية في المنطق، وأغلب المفاهيم العامة في الفلسفة. وتدعى هذه المفاهيم الانتزاعية مفاهيم عامة، لأنها أعمّ وأشمل التصورات التي تعرض الذهن البشري ولا يمكن العثور على تصورات أعمّ منها، نظير: تصوّر الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان وغيرها.

وتحصل هذه المفاهيم العامة للذهن، وفق الترتيب الذي سنعرضه بعد المفاهيم الخاصّة، وعلى وجه الخصوص المحسوسات، وفي هذا الضوء تحتل المرتبة الثانية (معقولات ثانية)، لكنها (بديهية أولية) من الزاوية المنطقية، أي أنها تحتل المرتبة الثانية فلسفياً ونفسياً، وتحتل المرتبة الأولى من الزاوية المنطقيّة”[7].

بشكل خاصّ، يذكّر الطبطبائي “أن النفس في بدء تكوينها وحدوثها لا تعرف شيئاً بالعلم الحصولي، وليس لديها أي تصوّر عن أيّ شيء في الذهن حتى عن ذاتها وحالاتها النفسية. بل هي من الأساس تفتقد للذهن ابتداءً، ولكنه بعد أن يحصل على الصور الذهنية بالتدريج ويحصل على تصورات عن الأشياء وعن ذاته وحالاته النفسيّة، يتشكل لديه الذهن.

لكن النفس التي لا تعرف في بدء تكوّنها وحدوثها أي شيء بالعلم الحصولي وتفتقر الى الذهن، تعرف بالعلم الحضوري، منذ البدء، ذاتها وقواها النفسية. لأن ملاك العلم الحصولي هو الفعالية التصويرية لقوة الخيال، أما ملاك العلم الحضوري هو تجرد وجود الشيء عن المادة وخصائصها.

فالطفل لا يعرف شيئاً حتى عن ذاته وحالاته الذاتية، لكنه يجد واقع ذاته وواقع جوعه ولذته وألمه وإرادته”. ويعتقد الطبطائيّ أن العقليين والحسيين وكثير من المفكرين لم يتعمّقوا حقاً في فهم العلم الحضوري، وأنهم أخطأوا التفريق بين الصور الذهنية بحد ذاتها وبين التصورات المرتبطة بالنفس والأمور النفسية، ويرى بأن علم كلّ شخص بذاته ينقسم إلى نوعين أو لنقل، مرحلتين: الأولى، معطيات ابتدائية لكل واحد منا منذ تكوّنه وحدوثه، “فالذات ليست خفية على صاحبها وكذلك الحالات النفسية للذات ليست خفية على الذات، ويحصل الفرد على هذه الأشياء بدون توسط الصورة الذهنية”.

أما الثانية، فهي “التصورات التي تحدث بالتدريج لدى الفرد، فالقوة المدركة بعد أن تقوى على تصور الأشياء الخارجية والتقاط الصور عن عالم الخارج تعطف بنفسها على عالم الداخل، فتهيء أيضاً صوراً عن النفس والحالات النفسية، فتعلمها وتتصورها بالعلم الحصولي. من هنا، لا ينبغي الخلط بين تصوّر “الأنا” واللذّة والألم والإرادة، التي هي علم ومعلوم حضوري”[8].

هذه هي الإضافة الأبرز للطبطبائي، وهي كما سنرى ليست بذلك التعقيد الذي تخيله غيره. لكن، قبل ذلك، علينا أن نشير إلى أنّ مفهوم الوجود هو بمثابة حجر أساس في بناء المعرفة (l’ordre de la connaissance)[9]، أي أن كل ما نقوم به عملياً من تفكير أو ممارسة هو مبني على قبول ضمني أو صريح بمفهوم الوجود شريكاً أساسياً في ذلك. تجاهل هذه الحقيقة المبرّر أو غير المبرّر دفع فيلسوف الكينونة الألماني مارتن هايدغر للقول بأن التاريخ الحقيقي للوجود توقف عند هذه اللحظة بالذات[10][11].

ما تقدّم به الطبطبائيّ، هو القول بأن الذهن الانساني يبدأ تجربته المعرفية على صورة مشاعر أو وجدانيات وانفعالات،  ومن خلال هذه المشاعر يظفر بمفهوم الوجود، وجوده، لكن كيف؟

لنقل بأن العقل الانساني الذي قصده المؤلف هو عقل طفل حديث الولادة وضعته أمه في غرفة فيها تلفاز وانشغلت عنه بقراءة هذا النصّ في غرفة أخرى، ثم فجأةً، عُرِض على التلفاز أغنية بصوت موسيقي عالي جداً ومزعج كما أغلب أغاني العصر الحديث، سيخاف الطفل على الأغلب، وعلى الأغلب أيضاً، سيذهب خوفه عندما تنتبه أمه لصراخه فتأتي مسرعة لاحتضانه، وبطبيعة الحال، فالحياة اليومية أغنى وأكرم منا بأمثلتها وقدرتها أيضاً على تكرار هذه الأمثلة.

من هذه الحالات الوجدانية- النفسيّة، أنا خائفٌ، أنا لست خائفاً، يقوم الطفل “بلا وعي منه”، بالمقارنة والتفريق بين وجوده هو ووجود الموجودات الأخرى كاللعبة، الشجرة، التلفاز، إلخ. بحيث يلقي وراء ظهره ما هو ثانوي على الوجود : خائفٌ، لست خائفاً، ويبقي على مفهوم الوجود ذاته : أنا، أنا لست[12][13][14]. فالطفل كما يقول الطبطبائيّ حرفياً “يلتذّ ويفرح ويريد ويتألم، ولا تخفى عنه هذه الإرادة وهذا الألم، كما لا تخفى ذاته على ذاته، أي أنّ الطفل بذاته يشاهد ذاته وإرادته ولذّته وألمه شهوداً حضورياً، لكنّه بحكم ضعف جهازه الذهني وتتجمع لديه لديه صور الأشياء الخارجيّة عن طريق الحواسّ، فيُغني ذهنه ويقوى، حينئذ يرجع وُيهئ صورة عن “الأنا” وصوراً عن حالاته النفسيّة”[15].

لا ينوي هذا النص أن يكون نصاً فلسفياً، ولا نريد به أن يشكّل جزءاً من نقاش حول الحدود بين الفلسفة والعلوم، لكن ما دمنا في هذه المنطقة بالتحديد، نودّ الإشارة إلى أن الإضافة الطبطبائية التي عرضت للتوّ قادرة على أن تجد ظلّها في المستوى الثاني من المشاعر عند داروين، المسؤولة كما رأينا عن تشكيل أولى القدرات العقلية العليا للانسان، وهي بكل الأحوال المشاعر الأقل تعرضاً لها، نظرياً وامبريقياً. ومع التأكيد أيضاً بأن هذا هو رأينا الخاصّ في هذه الحدود، أما بالنسبة لأطراف النقاش الأولى، فالفرق شاسع بين عالم الأحياء الذي أراد لهذه الحالات النفسيّة أن تثبت بيولوجياً القدرات العقليّة العليا عند النوع الإنساني، وبين الفيلسوف المتصوّف الذي أراد منها أن تثبت حضورياً مسائل الالهام والوحي والمكاشفة.

المشاعر في الحياة اليوميّة (سوسيولوجيا المشاعر)

في الحقيقة، هناك مساحة أخرى من النقاش قفزنا عنها في هذا النصّ، وهو نقاش التفريق بين المشاعر-العواطف والأحاسيس-الحواسّ، أو الانفعالات (الجسدية) والوجدانيات (النفسيّة)، ولا يهمّ بنظرنا طالما هي حالة تصيب الجسد و”النفس”، قبل أم بعد، معاً أم بشكل منفرد، هذا لن يفيدنا كثيراً هنا، ولا يفيد بشكل عام بقدر تأثيرات هذه الحالة السلوكيّة والثقافيّة وغيرها.

بهذا التعفف المنهجي، نكون قد وفّرنا على أنفسنا عناء الدخول في أول موضوعات “سوسيولوجيا المشاعر” وانتقلنا مباشرة إلى لبّ هذا الحقل الدراسي الجديد نسبياً، أي، الدور الأساسي للمشاعر في “الحياة اليومية” (الواقع الاجتماعي) على المستويين الاجتماعيين الميكرو والماكرو، أي بين أفراد الجماعة الواحدة وبين الجماعات باختلافها.

بدأ علماء الاجتماع الاهتمام بدراسة المشاعر في بدايات القرن المنصرم، وقد ساهم آباء هذا الحقل في ملاحظات علميّة متينة حول بعض الحالات العاطفية قبل أن يتم تجاهل هذا الموضوع طويلاً في علم الاجتماع. يذكر لنا جوناثان تيرنر في نصّ “سوسيولوجيا المشاعر: مقولات نظريّة أساسية” بعض الأمثلة: حديث كارل ماركس عن الاغتراب والحرمان العاطفي البروليتاري ينطوي بالتأكيد على اهتمام ماركسي بموضوع المشاعر.

يشتمل عرض ماكس فيبر (1967) لأنماط الفعل على بعد عاطفيّ (affectual). تحليل جورج سيميل (1950) لفكرة “الصراع” يشدد على الإثارة العاطفية كجزء من عملية التعبئة للصراع. بحوث إيميل دوركهايم في أصول الأديان البدائية (1912) وضعت العواطف في مركز نظريته في الطوطم والتكافل الاجتماعي. ثم آراء الايطالي فلرفريدو باريتو عن المشاعر والاشتقاقات ودورها في حركة المجتمعات، وصولاً إلى خلاصات تشالز هورتون كولي عن “الفخر والعار” كتقييم ذاتي للنفس من خلال النظر في الآخرين كمرآة[16][17].

في النصف الثاني من السبعينات، عادت المشاعر وظهرت مرة أخرى في علم الاجتماع، لكن هذه المرّة بشكل رسمي وتحت مسمّى “سوسيولوجيا المشاعر”، وقد كان ذلك على يد مجموعة جديدة من علماء الاجتماع نذكر منهم: غوردون: 1981، هوشستيلد: 1979، كيمبر: 1978، 1987، سميث-لوفن: 1989.

تدور سوسيولوجيا المشاعر حول مقولتين أساسيتين على الأقل، الأولى سوسيولوجية بحتة تقول بأن العواطف، أو بالأحرى الارتباطات العاطفية للأفراد تتحكم بشكل كبير في سلوكهم أفراداً ومجتمعات[18]، وهذا واضح جداً بالنسبة لنا، فالخوف من شخصٍ ما يدفعنا إلى سلوك معين تجاهه، إما إلى الحذر منه، أو قتله، إلخ. وكذلك المجتمعات عندما تشعر بالتهديد على كيانها، إما أن تخوض الحرب وإما أن تلتزم استراتيجية دفاعية تحميها من هجوم الآخر المحتمل، إلخ. وهنا مثال ربما ليس الأفضل، لكنه يرينا حجم وجديّة دور المشاعر في تحديد مصير أرواح الملايين من البشر: في “براديغما جديدة لفهم عالم اليوم” لعالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين، يصف المؤلف الجوّ العام في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 بالقول:

“لقد غابت القضايا الاقتصادية عن واجهة المسرح السياسي، وبدا غزو التقنيات الجديدة أقل اثارة كما احتلت اللغة الحربية – والتي هي جيوسياسية أكثر منها وطنية – الساحة الشعبية بالكامل. وإذا كانت أمريكا المجروحة قد تساءلت في قرارة نفسها، بلسان نورمان ميلر يومذاك: لماذا لا يحبوننا؟ فإن فحص الضمير هذا سرعان ما تلاشى أمام الضرورة الملحّة: إلقاء القبض على أسامة بن لادن. وما لبثت أن حلّت الإدانة بصدام حسين مع أنه لم يكن يقيم علاقات خاصة مع القاعدة[19]، وعلى جناح السرعة، باشر كل من الرئيس بوش وطوني بلير السعي إلى اثبات ضرورة التدخل العسكري أمام مجلس أمن الأمم المتحدة الذي كان يعارض الحرب”.

ويضيف بعدها، “لقد كاد الرئيس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، خلال الأسابيع التي سبقت الهجوم العسكري على العراق، أن يحتلا المسرح السياسي الأميركي بالكامل. أما الحزب الديمقراطي فلم يتدخل، ولم تعد كبرى المحطات التلفزيونية، في ما عدا براعتها التقنية، أكثر من ملاحق لمقر القيادة العام. وحدها الـ “بي بي سي” العالمية كانت تبث الأخبار.

أما في مجال الصحافة المكتوبة، فقد كانت “النيويورك تايمز” وحدها، الصحيفة الوطنية حقاً، التي بدأت باستقلالية معينة، وبعد صمت طويل، بمناقشة بيانات الحكومة ومقاصدها. باختصار، هذا البلد الذي كان الرأي العام فيه يملك وسائل اعلام عديدة ومتنوّعة، غرق كلّه في الصمت. لقد لبثنا أشهراً عديدة لا نسمع إلا صوت الرئيس بوش وصوت وزير الدفاع. بلى، كنا نسمع أيضاً صوت الله الذي غالباً ما كان يصغي إليه الرئيس ويتوسل إليه مجلس الوزراء”[20]. ونعلم جيداً ما حلّ بالعراق واليمن وأفغانستان بعد ذلك.

هناك نقطتان أساسيتان ينبغي الانتباه إليهما في هذا المثال، الأولى كيف ساهم الخوف الناجم من شعور الأمريكيين باقتراب التهديد القاتل في تهيئة الجو الأمريكي العام للحرب، هذا الصمت الشعبي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وقبيل التدخّل العسكري في العراق لا يمكن قراءته إلا كموافقة مباشرة على قرار الدخول في الحرب، وهذا فيما يتعلّق بتأثير المشاعر على السلوك الإنساني.

أما النقطة الثانية فتتعلق بمرونة المشاعر نفسها ومدى امكانية التحكّم بها واستغلالها لصالح أهداف سياسية واقتصادية، الخ. وهو ما يمكن استنباطه في هذا المثال من تركيز الخطاب السياسي الأمريكي على شيطنة العراق ومحاولة إظهار جورج بوش كمخلص لمحور الخير في العالم من محور الشرّ فيه. يمكن أيضاً ملاحظة هذه الحالة في أمثلة أخرى كمراجعة أداء الإعلام الإسرائيلي قبيل وأثناء وبعد حرب تموز 2006.

المقولة الأساسية الثانية التي تدور حولها سوسيولوجيا المشاعر، هي خضوع المشاعر والتعبير عنها للظرف الاجتماعي الخاص التي وجدت فيه، وهي عملياً مقولة آنثروسوسيولوجية طوّرها عالم الآنثروبولوجيا الفرنسيّ مارسيل موس في دراسته “التعبير القسري عن المشاعر” التي نشرت عام 1920 في مجلة علم النفس.

يمكن فهم إضافة موس كمحاولة منه لتجاوز النقاش الدائر حول فطريّة المشاعر أو اكتسابها بالتجربة من خلال اخراجها من هذا الحيّز والتفكير بها ثقافياً (بالرجوع إلى التعريف الآنثروبولجي للثقافة[21])، حيث خلص موس إلى أنّ “العواطف لا تنتمي إلى سيكولوجيا فردية ولا إلى فيزيولوجيا غير مبالية، إذ بمجرد ما تظهر المشاعر من خلال الجسد، وتبرز من خلال السلوكات تصبح انبثاقات اجتماعية تفرض نفسها بمحتواها وبشكلها على أعضاء مجموعة تنتمي إلى وضعية معنوية معينة.

وهنا يؤكد مارسيل موس ضدّاً على الأحكام المسبقة والمتناقضة التي تريد أن تحوّل الانفعال إلى معطى داخلي أو طبيعي على البعد الاجتماعي والثقافي في تحديد طبيعة المشاعر في سلوكات الفاعل، ولهذا فإذن ذرف الدموع مثلاً، ليس مرتبطاً فقط بالتعبير عن الألم، بل بإمكانه أن يكون مرتبطاً بوقت محدد لطقس من طقوس التحيّة”[22].

وفي بحوثه على المجتمعات الأصلية في استراليا، وجد موس أنه في الاحتفالات التأبينية الخاصة، لا يعبّر الحاضرون فقط عن “مشاعر شخصية مناسباتية لذاتهم، بل من أجل الآخرين، لأن هذا الأمر مفروض عليهم. إننا نعبر عن ذواتنا من أجل لفت انتباه الآخرين، فالتعبير عن المشاعر هنا رمزيّة محضة”، وقد دفعت هذه الخلاصات بمقتبسها دافيد لو بروتون بالقول في كتابه “سوسيولوجيا الجسد”:

“وهكذا، فإن المشاعر التي نحسّ بها والطريقة التي تظهر بها، والكيفية التي نعبّر عنها جسديّا، كلها أشياء متجذرة في المعايير والعادات الضمنية للجماعة. إنها ليست تلقائية، بل خاضعة لشعائر منظمة ومعبرة تجاه الآخرين، فهي تظهر على الجسد وعلى الوجه وفي الحركات الوضعية والبدنية… إلخ، ولهذا فإن الحب، الألم، الإهانة، الفرح والغضب… إلخ، ليست وقائع في حد ذاتها، ولا تتغير تلقائياً من مجموعة اجتماعية إلى أخرى، بل شرط بروزها ورمزيتها تجاه الآخرين تقتضي وجود وساطة ذات معنى”[23].

ويبدو أنّ الشعور بالألم أفضل مثال وجده لو بروتون للتأكيد على أن “كلّ شيء مرتبط بالنسيج الاجتماعي والثقافي الذي ينخرط فيه الفاعل بنظرته إلى العالم ومعتقداته الدينية، أي بالطريقة التي يتصرف بها ويتموقع داخل جماعة انتمائه”.

وبالرجوع إلى تعريف ريني لوريش بأن الألم “ليس مجرد حالة بسيطة لانسياب عصبي عادي بحدّة معينة في عصب ما، بل هو نتاج الصراع القائم بين منبه ما وبين الفرد بأكلمه”، يعتقد لو بروتون بأن “الانسان هو من يصنع ألمه من خلال كيانه”، وأن هذا التعريف للألم “يسمح بتثمين الجانب الشخصي في إدراك حدّة الألم الذي يؤكد على الغربلة الاجتماعية والثقافية والسيكولوجية للتدفق العصبي للألم، لأن صلابة الفرد كشيء بسيط وفاعل في مجتمع معين توجد ما بين المنبه والإدراك الحسي للألم، للتيار المؤلم، وقد توجد بالمناسبة قواعد ضمنية قد تغيب عن الشخص، لكنها تحدد إلى حدّ ما علاقته بالمنبّة الألمي، وهذه العلاقة لا تستجيب لأي جوهر خالص لأنها ببساطة تترجم الارتباط جد المعقد الذي يوجد بين تغيرات التوازن الداخلي للجسد وبين ما يحسه الفاعل الذي تعلم كيف يعرف هذا الاحساس وكيف يدمجه في نسق معنوي وقيمي، فمثلما هو حال الجوع أو العطش، فإن الألم معطى بيولوجي، وما دام الناس لا يتذوقون أكلهم بنفس الطريقة ولا يبحثون في وجباتهم عن أذواق متشابهة، ويتذوقون بطريقة مغايرة غذائهم مانحين إياه معنى خالصاً، فإنهم أيضاً لا يتألمون بنفس الطريقة ولا بنفس قوّة الإثارة، لأنهم يعطون لألمهم قيمة ومعنى مغايرين، كل حسب تاريخه وانتماؤه الاجتماعي”[24][25].

عسكرة المشاعر

تشير سوسيولوجيا المشاعر إذن إلى العملية التي يتعلّم الأفراد فيها مجموعة التوقعات، القوانين، الممارسات والنتائج لتجاربهم العاطفية[26]، ومن الصعب عملياً أن تفلت كافة المناهج الأخرى في دراسة المشاعر من حدود هذا التعريف، فما حاجتنا إذن إلى نحت مصطلحات جديدة كـ “عسكرة المشاعر”، أو، ما الذي يمكن لعملية عسكرة المشاعر عند الجنود أن تضيفه في دراسة وفهم المشاعر الانسانية على وجه الخصوص؟

الإجابة بدون مقدمات، هي الدفع بدراسة المشاعر إلى أقصاها على المستويين النظري والميداني، كما هي في هذا الواقع حقيقة[27]، ذلك بأنّ الحرب كما يقول كلاوزوفيتش هي “ميدان الكدّ والمعاناة والخوف الذي يمكن أن يسحقنا ما لم نجعل من أنفسنا ميداناً بطبيعة منافسة، أي ذو قوّة جسدية وروحية معينة”[28]، وذلك بأننا نحيل من خلال هذا المصطلح إلى المعنى الخاص لعملية بناء/صناعة الجنود في المجتمع ككل وداخل المؤسسة العسكرية كوحدة اجتماعية خاصة.

وهذا يعني الوقوف مسبقاً على فرضية – سنرى دعاماتها خلال هذا الملفّ – أنّ الجندي بجانب كونه مُعطى وحالة جسديّة خاصة، هو أيضاً وبشكل لا يقلّ أهمية مُعطى وحالة شعورية خاصّة (عسكرية) يرى الجنود فيها أنفسهم ويتعاملون مع هذا الميدان ومع الآخرين من خلالها أثناء وبعد الخدمة، أي أنها حالة طويلة المدى تتخطى بشكل واضح مكان نحتها الأول.

على المستوى الميداني، المشاعر في الحياة العسكرية مساحة مربكة جداً، وخصوصاً السوداء منها كالخوف، الندم، الملل، إلخ. وتعامل المؤسسة العسكرية معها لا يتبع المناهج العلمية في دراسة المشاعر ويتبعها في نفس الوقت، أو يمكن القول “يتم تجاوزها” بطريقة ما، فالخوف في حالة وجوده الطبيعية يشكّل خطراً لا نقاش فيه على عملية صناعة الجنود، لكن وكما سنرى لاحقا، لا يبحث الجيش في نهاية المطاف على القضاء عليه تماماً، على الخوف أن يبقى، أو أن يُبقى عليه في صورة محددة له، وهي “الخوف الجيّد” لا “خوف الأدرينالين” كما يقول أحد الجنود. من هذا كلّه، استطعنا أن نستنبط أن هناك حالة شعوريّة خاصّة يتم العمل عليها في الجيش، وهو ما أطلقنا عليه بـ”عسكرة المشاعر”، عسكرة الخوف في هذه الحالة.

كما أنّ هذه المشاعر مرتبطة بشكل مباشر بحياة أو موت الجندي ومن يرافقه، وبحياة من يقابلهم على الجهة الأخرى، وهذه في الحقيقة دعوة لدراسة تجربة سجن أبو غريب مثلاً وعلاقتها بملل الجنود الأمريكان حينها، أو علاقة نفس الشعور بتصرفات الجنود الإسرائيليين على الحواجز “الطيّارة” والثابتة، ولكل منّا ذكريات شخصية غزيرة في هذا الموضوع.

من جانب آخر، هناك قناعة شخصية، عليّ الكشف عنها مبكراً هنا، وهي عملياً الدافع الداخلي الرئيسي “لديّ” للاهتمام بدراسة الجيش والحرب بشكل عام. يعتقد علماء التطوريّة الاجتماعية بأن أفضل مرحلة عمريّة لملاحظة التطوّر لدى الانسان هي ما بين فترة الرضاعة إلى سن الرابعة-السادسة من حياة الطفولة، وهذا يفسّر كمّ الأبحاث الهائل في كافة مجالات العلوم الانسانية على هذه الفترة الزمنيّة بالذات. “أعتقد شخصياً” بأن العالم الحقيقي هو العالم الذي يعيشه الجيش والجنود، العالم باللون الأخضر الفاتح كما قلت أو سأقول، وهو العالم الذي نعيشه ويعشيه أي انسان في حالة الحرب-المعركة، ليس لأن هناك عالم حقيقي فعلاً، وإنما لتجرّد هذا العالم من ترف التأويلات والأفكار والنظريّات العلمية والفلسفية الكبرى وتعامله الصريح (العاطفي والعاطفة كعقل) مع ما يهمّ الناس حقاً-الآن.

تابع/ي القراءة: عسكرة المشاعر في الجيوش الحديثة: معنى أن تكون جندياً (3)

****

الهوامش:
[1] Darwin, Charles, The Expression of the Emotions in Man and Animals, second edition, London, 1890, p : 387.
[2]  برجسون، هنري، الأعمال الفلسفية الكاملة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2008، ص: 17.
[3] Darwin, Charles, The Descent of Man, and Selection in Relation to Sex, Princeton University Press 1981, p : 51. 
[4] Id., p : 41. 
[5] James, William, What is emotion ?, Mind, Vol. 9, No. 34, Apr., 1884, p : 189.
​​[6]  انقسم العلماء بطبيعة الحال حول هذا الموضوع، البعض منهم أكّد على أن المشاعر الانسانية هي ظواهر عضويّة حيويّة، أي أنها معطيات بيولوجية تأتي على شكل استجابات طبيعية لمؤثر خارجي (Gasanov, 1974)، وهناك من صمّم على أن الأفراد يعبرون عن مشاعرهم بطريقة طوعيّة وواعية، أي أنها لا تتمظهر إلا بعد أن تتم معالجتها عقلانياً، وبمجرد أن الفرد فسّرها منطقياً أو اجتماعيا تخرج للعيان (Tomkins, 1962, 1963 ; Ekman et al., 1972). أنظر: Montandon, Cléopâtre, La Socialisation des émotions : un champ nouveau pour la sociologie de l’éducation, Revue française de pédagogie, vol. 101, 1992.
[7]  الطبطبائي، السيد محمد حسين، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، المجلد الأول، ص: 314-316.
[8]  مصدر سابق، ص: 342-343.
[9]  مطهري، مرتضى، شرح المنظومة، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، بيروت 2009، ص: 21. ​​
[10] Dulau, Pierre, Heidegger, Pas à Pas, Paris, 2008, p : 24.
[11]  أنظر أيضاً: Graham Harman, Martin Heidegger Explained : From Phenomen to Thing, Open Court, 2007. Edith Blanquet, Apprendre à Philosopher avec Heidegger, Broché, 2012.
[12]  مصدر سابق، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، المجلد الأول، ص: 140-141، 149، 336. 
[13]  الطبطبائي، السيد محمد حسين، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، المجلد الثاني، ص: 27، 35-38، 41، 43-44.
[14]  الطبطبائي، السيد محمد حسين، بداية الحكمة، ص: 11، 35-45.
[15]  مصدر سابق، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، المجلد الأول، ص: 343.
[16] Turner, Jonathan, The Sociology of Emotions: Basic Theoretical Arguments, Emotion Review, Vol. 1, No. 4, October 2009, p : 340.
[17] Montandon, Cléopâtre, La Socialisation des émotions : un champ nouveau pour la sociologie de l’éducation, Revue française de pédagogie, vol. 101, 1992, p : 106.
[18] Thoits, Peggy, The Sociology of Emotions, Annual Review of Sociology, Vol. 15, 1989, p : 317.
[19]  أنظر: خطاب دونالد رامسفيلد في الكابينيت الأمريكي بعد أقل من يوم واحد من هجمات 11 أيلول. منشور في صحيفة النيويورك تايمز، 22 مارس 2004.
[20]  تورين، آلان، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، المنظمة العربية للترجمة، 2011، ص: 24-25.
[21]  بحسب تعريف كليفود غيرتز لها، فالثقافة هي “نمط من المعاني المتجسدة في رموز تنوقلت تاريخاً، وهو نظام من المفهومات المتوارثة يعبر عنها بأشكال رمزية، وبواسطة هذه الأشكال يتواصل الناس، وبها يستديمون ويطورون معرفتهم حول الحياة ومواقفهم منها. غيرتز، كليفورد، تأويل الثقافات، المنظمة العربية للترجمة، 2009، ص: 224-225.
أما تعريف إدوارد تـايـلـور الـذي قـدمـه فـي أواخـر القرن التاسع عشر في كتابه عن الثقافة البدائية والذي يذهب فيه إلـى أن الثقافة هي : “كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في مجتمع”. نظرية الثقافة، عالم المعرفة، ع 223، 1997، ص: 9.
لكن عادة، عندما يتم الإشارة إلى التعريف الآنثروبولوجي للثقافة، غالباً ما يكون القصد هو نسبيّة هذا المفهوم، فما هو جميل في مجتمع ما، يمكن أن يكون قبيح في مجتمع آخر، وهكذا.
[22]  لو بروتون، دافيد، سوسيولوجيا الجسد، روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014، ص: 99-100.
[23]  مصدر سابق، ص: 101.
[24]  مصدر سابق، ص: 103.
[25]  الحالات الدراسيّة في هذا المجال كثيرة، وسنذكر هنا اثنتين نعتقد باهميتهما البالغة: مارك زبورويسكي: قام بدراسة مختلف المواقف تجاه الألم في مستشفى أمريكي عند مختلف المجموعات الاجتماعية: الإيطاليون، اليهود، والأمريكيون المتأصلون. هوارد بيكر: قام بدراسة كيف يمكن لمجموعة أن تكيّف وتقولب تعلّم أشكال حسيّة جديدة في سياق استهلاك الماريجوانا. أنظر: مصدر سابق، ص: 103-106، 107-109. 
[26] Handbook of Emotions, 4th edition, The Guilford Press, New York, 2016, p : 68.
[27]  المقصود هو واقع القتال-العسكر. يقول رون هنريكسن في نصّ “المحاربون في المعركة: ما الذي يدفع بالأفراد إلى القتال على أرض المعركة؟”: “اتفقّ جميع الأدباء في التاريخ على أن المعركة حدث وجودي في حياة الفرد، وبغضّ النظر عن الفكرة الاجتماعية القائلة بأن الحرب تشكّل جزءاً من شيء مهم أو أهمّ، مثل صياغة التاريخ، فالجنود الذين خبروا تجارب القتال كثيراً اكتسبوا قدرة ادراكية – حسيّة عالية المستوى، احساس كثيف بالوجود على قيد الحياة، وتجارب عاطفيّة خارقة، حيث المشاعر كالحبّ والكره تؤخذ إلى مناطق متطرفة لا نعلم مداها حتى الآن”.
Henriksen, Rune, Warriors in combat – what makes people actively fight in combat?, Journal of Strategic Studies, 30:2, 2007, p : 188.
[28] Clausewitz, Carl von, On War, Oxford University Press, 1976, p. 46.