تعتبر حرب أكتوبر في العام 1973 بين مصر ودولة الاحتلال عاملاً مهمًا في تحديد تطورات ومسارات جديدة في المجتمع الصّهيونيّ، وكثيرًا ما يدرس الباحثون الصّهاينة آثار وتبعات هذه “الصّدمة” اجتماعيًا وأمنيًا وسياسيًا. وكان من نتائجها على الصّعيد الأمنيّ – البحثيّ، الشّعور بالحاجة إلى تأسيس مركز أبحاث متخصص في أمور الأمن، نظرًا لأن المقولة السّائدة بعد الحرب كانت أنه لم يكن هناك من “يتنبأ بها ويقدر جيدًا احتمالات نشوبها بناء على دراسات وأبحاث استراتيجية وأمنية”.

 

تعريف بالمعهد

تعتبر حرب أكتوبر في العام 1973 بين مصر ودولة الاحتلال عاملاً مهمًا في تحديد تطورات ومسارات جديدة في المجتمع الصّهيونيّ، وكثيرًا ما يدرس الباحثون الصّهاينة آثار وتبعات هذه “الصّدمة” اجتماعيًا وأمنيًا وسياسيًا. وكان من نتائجها على الصّعيد الأمنيّ – البحثيّ، الشّعور بالحاجة إلى تأسيس مركز أبحاث متخصص في أمور الأمن، نظرًا لأن المقولة السّائدة بعد الحرب كانت أنه لم يكن هناك من “يتنبأ بها ويقدر جيدًا احتمالات نشوبها بناء على دراسات وأبحاث استراتيجية وأمنية”.

من هنا جاء تأسيس “معهد الأبحاث الاستراتيجية” في تل أبيب في العام 1977. وفي العام 1983 غيّر المعهد اسمه ليصبح “معهد يافا للأبحاث الاستراتيجية” على اسم عائلة المليونير الصّهيونيّ الأمريكي الذي تبرع لتمويل المعهد. ومن ثمّ في العام 2006، قام فريق الباحثين في “معهد يافا” بتأسيس “معهد أبحاث الأمن القوميّ” ليشكل مظلة كبير ضمت بداخلها “معهد يافا”، ومن ذلك العام يعمل المعهد تحت اسم “معهد أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيلي” INSS.

يمكن وصف المعهد بأنه أحد المطابخ العسكريّة العديدة التي تصنع فيها تفاصيل وتكتكيات الحروب والعدوان على شعبنا الفلسطينيّ والعربيّ، وهو أقرب المعاهد العسكريّة والأمنيّة لدوائر صنع القرار، وأكثرها متابعة للتطورات وأكثرها نشرًا. يتبع المعهد أكاديميًا لجامعة تل أبيب، ولكنه مستقلٌ عنها من النّاحية الإداريّة والماليّة. وصُنِّف المعهد عام 2008 على يد The Foreign Policy Institute ضمن أفضل المعاهد العالمية في مجال دراسات الأمن والعلاقات الدوليّة، واعتمد التّصنيف على معيارين: الأول هو درجة التّأثير على متخذي القرارات وواضعي السّياسات، والثّاني هو المستوى الأكاديميّ للأبحاث. كما أنه يعتبر على الصّعيد الصّهيوني ذي شأن مهم في تأسيس مواضيع “الدفاع وقضايا الأمن القومي” باعتبارها مجالاً بحثيًا أكاديميًا.

يتكون فريق الباحثين في المعهد من أولئك الذين أثبتوا قدرة أكاديمية ممتازة في مجال الأبحاث السّياسيّة، بالإضافة إلى أولئك الذين جمعوا رصيداً “غنياً” في التّجربة العسكريّة والسّياسية في دولة الاحتلال[1].

 يرأس المعهد لواء الاحتياط في جيش الاحتلال “عاموس يدلين” (مواليد 1951)، الذي عمل في جيش الاحتلال لما يقارب 40 عامًا، وشغل فيه منصب رئيس وحدة في سلاح الجوّ، كما شغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش، بالإضافة إلى رئيس الكليات العسكريّة، وغيرها من المهام. وبحسب صفحة التّعريف به في ويكيبيديا العبرية، فقد جمع “يدلين” خلال خدمته العسكريّة في جيش الاحتلال أكثر من 4200 ساعة طيران، وشارك ونفذ 255 مهمة في “مناطق العدوّ”، كان منها المشاركة في حرب اكتوبر، وفي حرب لبنان الأولى، وفي تدمير المفاعل النووي في العراق، وغيرها.

وبعد أن ترك يدلين جيش الاحتلال في العام 2010، انضم لمدة عام إلى فريق “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” كباحث كبير في مجال الأمن القوميّ عن دولة الاحتلال، ثم انتقل إلى إدارة معهد “أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيلي” منذ العام 2011. و”يدلين” من المطلوبين للعدالة الدولية، لارتكابه جرائم حرب في غزّة، إضافةً إلى مشاركته في الهجوم على سفينة “مرمرة” التّركية. وقد قدمت ضدّه في العام 2012 لائحة اتهام في المحاكم التّركية تطالب بحبسه 9 مؤبدات بسبب مشاركتهم في تنفيذ الهجوم على مرمرة.

مجالات البحث في المعهد

يعرّف المعهد نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه يمثّل “الأرضيّة الحيادية مع القوى المختلفة من مؤسسات الدفاع بالدولة”. ويقدّم المعهد تحليلاته السّياسيّة واستشاراته وتوصياته لصانعي القرار، حتى يبلوروا بناءً عليها جميع قراراتهم المصيرية.

يصدر المعهد الذي يوصف بأنه “خزان التفكير” لصانعي القرار دراساته وأبحاثه دوريًا، ومهمته البحث في القضايا الحساسة التي تمسّ الأمن القوميّ الصّهيوني وتصديرها إلى الرأي العام. كما يعقد دوريًا حلقات نقاش وجلسات عصف ذهني ومنتديات لتحليل وتقويم التّطورات العاصفة في المجال الأمنيّ الصّهيونيّ.

يُركز المعهد في أبحاثه، كما يدّلُ اسمُهُ، على كلّ ما يتعلق بأمن دولة الاحتلال. في موقعه على الشّبكة العنكبوتيّة يُحدِدُ المعهدُ هدفَه الأعلى بالعبارة التّالية: ـ”تعزيز أمن إسرائيل القوميّ، والمساعدة في تأمين مستقبلها كدولة يهودية وديموقراطية”. يقدم المعهد ضمن هذا الهدف المشورة والتّقييمات لمتخذي القرارات في المستوى العسكريّ والسّياسيّ الصّهيونيّ، وخاصّةً فيما يتعلق بمواضيع الأمن.

ولا ينفصل عمل المعهد عن نشاط وعمل المستويات العسكريّة والسّياسيّة الصّهيونيّة، بمعنى أن المعهد ليس مجرد “مقدم نصائح واستشارات خارجيّ” لمتخذي القرارات، بل يساهم بشكلٍ كبيرٍ في تشكيل هذه القرارات وصياغة الخطط الاستراتيجية. ويلتقي رئيس المعهد بشكل دوريّ مع مختلف القيادات الصّهيونيّة، ومنهم وزير الحرب، ورئيس الحكومة، ورئيس الأركان، ورئيس الدّولة وغيرهم في دوائر مغلقة.

ولا يتعامل المعهد مع مفهوم الأمن القوميّ كمفهوم صلب يخص مجالات الحرب والأمن فحسب، وإنما يعتبره مفهومًا ذا نطاق واسع يشمل مركبات أقل صلابة، مثل مفاهيم “الرأي العام”، وكل ما يتعلق بدراسة “علاقة المجتمع بالجيش، أو علاقة المستوى العسكري بالمدنيّ”. ويتضح هذا الفهم للأمن القومي من خلال تنوع دوائر البحث في المعهد واشتمالها على مواضيع “غير عسكرية” بالمعنى الصلب للتعبير.

دوائر البحث في المعهد

تقسم مجالات البحث في المعهد حسب المواضيع وليس حسب المناطق أو الدّول، وهي وفق التقسيم التّالي:

  • الإرهاب والحرب منخفضة الكثافة.
  • الحدّ من التسلح والأمن الإقليميّ.
  • أمن السايبر (الأمن الإلكتروني).
  • القانون والأمن القوميّ.
  • الجبهة المدنية في “إسرائيل”.
  • التّوازن العسكريّ في الشّرق الأوسط.
  • الجيش والاستراتيجيا.
  • التنبؤ التّكنولوجي والسّياسات.
  • علاقة “إسرائيل” والفلسطينيين.
  • المجتمع والرأي العام.
  • مركز المفاوضات التطبيقي.
  • الاقتصاد والأمن القوميّ.

منشورات المعهد

يصدر المعهد أغلب منشوراته باللغتين العبرية والإنجليزية، وتتنوع هذه المنشورات بين دراسات، وكتب، وتقارير قصيرة، وتقديرات موقف، ومجلات، وغيرها.

منذ العام 1998 ينشر المعهد تقارير ربعية بعنوان “تحديث استراتيجي” (عيدكون ايستراتيجي)- وهي مجلة تنشر فيها أحدث الدراسات والتقارير المتعلقة بالتّطورات الأمنية والعسكريّة والسّياسيّة على الصّعيد الصّهيوني المحليّ وعلى الصّعيدين الإقليمي والعالمي. تنشر في هذه المجلة على سبيل المثال دراسات عن الدولة الإسلامية في الشّام والعراق، وعن “التّهديد الإيراني”، وعن مكانة “إسرائيل” دوليّاً، وعن تهديدات تواجه دولا محددة، وغيرها من المواضيع.

ومنذ العام 2009 يصدر المعهد مجلة بعنوان “الجيش والاستراتيجيا”، وتتناول قضايا تخص جيش الاحتلال الصهيوني على صعيد أدائه وتطوراته. بعض الأمثلة على مقالات نشرت في المجلة: “تطرق الصحافة لسؤال ثمن المصابين في حملة “الجرف الصامد”، “هل ستكون حماس أكثر جاهزية في الصراع القادم مع إسرائيل”، “تحديات الجيش في حربه داخل التجمعات السكانية الكثيفة”، وغيرها.

كما يقوم المعهد بإصدار تقارير شهرية ترصد أهم النقاشات والتدوينات التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات في الساحة العربية. وهناك دراسات متخصصة تصدر بحسب الحاجة، كالدراسة التي صدرت لتجمع أهم “الدروس المستفادة” من الحرب الأخيرة على غزة عام 2014.

—————————-

الهوامش:
[1]  يعمل في المعهد “نخبة” من الباحثين والمخططين الاستراتيجيين الصهاينة. في العام 2015، نشرت صحيفة صهيونية على موقع جريدة “هآرتس” مقالاً ذا عنوان ساخر: “في المستقبل عندما تكبر يا ابني ستكون مديراً لمعهد الأمن القومي”، وتقصد من ذلك الإشارة إلى المعاش المرتفع الذي يتقاضاه مدير المعهد، والذي يفوق حسب الصحفية معاش مدراء أفضل الجامعات الصهيونية.