تأسست شركة “تيفع” في العام 1901 كمُوزّع دوائي في القدس، وكان الإعلان الفعلي عنها في العام 1904 بعد اندماج ثلاثة موزّعين للأدوية بشركة واحدة حملت اسم (SLE) كاختصار للأحرف الأولى من أسماء عائلات الموزعين الثلاثة Salmon و Levin و Elstein. ومنذ العام 1930 بدأت “تيفع” رحلة الاستحواذ والاندماج وإيجاد نوع من الشراكات مع غيرها من الشركات الناشئة والكبرى في أوروبا وأمريكا، وكانت أهم هذه المحطات استحواذها على شركات آسيا، زوري، إكافارم، إفاكس، بار، رانيوفارم، سيفالون، بلانتكس، نوفافارم، نيوباث، لابرس بيولوجكس، وغيرها من الشركات الأوروبية والأمريكية التي كان المال اليهودي يمتلكها أو يمتلك حِصصاً فيها.

ويتم الآن تداول أسهم شركة “تيفع” في بورصة نيويورك “وول ستريت” وبورصة تل أبيب، وتتوزع منشآتها ومصانعها ومكاتبها في القارات الخمس. وحسب قناة (CNBC) الاقتصادية فإن “تيفع” توظف 51,000 شخص، وتبلغ قيمتها السوقية 73 مليار دولار حسب تقارير عام 2014.

واصلت شركة تيفع توسعها بالطرق المشروعة وغير المشروعة والتي من ضمنها الرشاوى، حيث سُجّلت أكثر من قضية رشوة وفساد مالي بحق “تيفع” في أكثر من دولة، وحصلت في العام 1982 على تصريح إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA ليُخولها ذلك دخول السوق الأمريكي والمنافسة فيه. لاحقاً في العام 2005 دخلت السوق الياباني وأصبحت عضواً في هيئة المصنعين والباحثين الصيدلانيين في أمريكا (PhRMA).

“تيفع” في القدس

لطالما كانت القدس محط اهتمام شركة “تيفع”، فإضافة لكون المدينة تشكل رمزية تاريخية للمكان الذي انطلقت منه عمليات الشركة، فإنها تستعمل مصانعها ومستودعاتها هناك لتشجيع الشباب من المجتمع الصهيوني للانتقال والعيش في القدس لمنع إفراغها من الشباب.

بدأت عمليات شركة “تيفع” غربي القدس في العام 1935 كمصنع لتعبئة السوائل ولاحقاً كمصنع متعدد المجالات التصنيعية الدوائية، في العام 1975 تم نقل المصنع للمنطقة الصناعية الاستيطانية المقامة على أراضي “خلة الطرحة” من قرية لفتا المهجرة، وتم الحفاظ عليه كمصنع متعدد المجالات التصنيعية الدوائية، يقوم بإنتاج المراهم والتحاميل والقطرات والمضادات الحيوية السائلة، بالإضافة إلى وجود المختبرات الثباتية فيه (ٍStability Labs)، حيث تدرس شركة “تيفع” ثباتية أدويتها والأدوية ذات العلامة التجارية التي تصنعها الشركات الأخرى كمتطلب لعمليات تسجيل أدوية “تيفع” في الأسواق العالمية.

في 12 أيلول من العام 2005 افتتحت “تيفع” مصنعها الجديد في القدس والمخصص لإنتاج الحبوب وهو المصنع الأحدث والأكثر تطوراً في مجموع مصانعها في فلسطين المحتلة، يقع المصنع على بعد 560 متراً من مصنعها الأول في القدس وعلى نفس أرض خلة الطرحة من قرية لفتا المهجرة، كما حصل مصنعها على موافقة مؤسسة الغذائية والدواء الأمريكية (FDA) ليتاح له إنتاج 12 مليار حبة دواء سنوياً أغلبها مخصصة للتصدير للولايات المتحدة.

“تيفع” – عملاق الأدوية الجنيسة “Generics” في العالم

حتى نعرف لماذا اتجهت شركة “تيفع” للأدوية الجنيسة منذ بداياتها، علينا أولاً معرفة ما الذي نعنيه بالدواء الجنيس. الدواء الجنيس أو المكافئ -بمعنىً آخر- هو نسخة عن الدواء ذي العلامة التجارية المسجلة وتمتلك نفس الفعالية والجرعة وطريقة الاستخدام والآثار الجانبية والمخاطر والقوة الدوائية، إلا أنها أقل سعراً من الدواء الأصلي ذي العلامة التجارية.

توجهت شركة “تيفع” والشركات الناشئة في بدايتها لصناعة الأدوية الجنيسة ببساطة لأنها لم تكن ببداياتها تمتلك رأس المال الضروري لإنتاج دواء ذي علامة تجارية، ولقلّة تعقيدات إنتاج دواء جنيس أمام غيره من الأدوية الأصلية، حيث إن تكلفة ووقت إنتاج الأدوية الأصلية يحتاج لأضعاف أضعاف إنتاج دواء جنيس. وتتوزع تكلفة إنتاج الدواء الأصلي بين إنشاء مراكز الأبحاث الطبية والصيدلانية التي ستقوم باكتشاف الدواء في البداية، ومن ثم دراسته على الخلايا الحية الدقيقة، ودراسته على الحيوانات، ولاحقاً على البشر، ومن ثم دراسات المأمونية الدوائية والآثار الجانبية الطويلة الأمد، وفي هذه الخطوات يكون الجزء الأكثر تكلفة ووقتاً في رحلة حياة الدواء. 

بينما في الدواء الجنيس تسقط هذه التكلفة وهذا الوقت لأن الدواء مكتشف سابقاً وتمت دراسته على الحيوانات والبشر وتم بيعه في السوق. ويتركز كل دور الشركات المنتجة للأدوية الجنيسة على تقليد هذا الدواء وكسر براءات الابتكار من حوله أو انتظار نهاية صلاحية براءات الابتكار ومن ثم البدء بتصنيعه وبيعه للأسواق. من هنا نرى أن الشركات التي اتجهت لصناعة الأدوية الجنيسة، اتجهت لذلك لقلة التكلفة وقلة الوقت اللازم إضافة للمردود المُرضي نسبياً، خاصة وأن الدول تتجه لاستيراد وصناعة الأدوية الجنيسة لأنها أقل سعراً وتؤدّي نفس الغرض الذي يؤدّيه الدواء الأصلي، وبذلك فرضت شركة “تيفع” الآن نفسها كأكبر مصنّع للأدوية الجنيسة في العالم.

“تيفع” – أسطورة الكوباكسون

تحتكر شركة “تيفع” العديد من الأدوية ببراءات ابتكار منها (Azilect) لعلاج داء باركنسون، و(Zocor) كمخفض للكوليسترول، لكن أهمها هو الكوباكسون (Copaxone)، وهو سر تضخم شركة “تيفع” لهذا الحجم. الكوباكسون أو أسيتات الغلاتيرامر هو دواء لعلاج مرض التصلب اللويحي، تم إعلان اكتشافه وتسجيل براءة ابتكاره في العام 1996 من قِبَل ميخائيل سيلا، وروث آرنون، ودفورا تيتلوبام، بعد ثلاثة عقود من الأبحاث في معهد وايزمان للعلوم بدأت منذ العام 1968. تضمنت رحلة الاكتشاف العديد من الدراسات في كبرى الجامعات الأمريكية والكندية وأبحاث في المأمونية والفعالية في مركز العلوم الطبية في جامعة ميرلاند ومستشفى سان رافائيل وجامعة ميلان وغيرها من الهيئات العلمية ومراكز الأبحاث.

حصلت شركة “تيفع” ونتيجة الضغط الحكومي والبعد السياسي خلف ذلك على حقوق تصنيع الكوباكسون بالتراضي مع العلماء الثلاثة ومعهد وايزمان للعلوم، وتمت الموافقة على تسجيله وتصنيعه في الولايات المتحدة الأمريكية من قِبل الـ (FDA) في العام 1996، لتبدأ معه فترة ازدهار شركة “تيفع” ومضاعفة القيمة السوقية وسعر السهم وذلك لأن نصف أرباح الشركة تأتي من الكوباكسون لوحده، حيث سجّل عام 2014 الكوباكسون كأفضل الأدوية مبيعاً في العالم محتلاً 29% من إجمالي وصفات السوق الأمريكي وحده.

“تيفع” من عصر الازدهار لربما الإفلاس

مع بداية انتهاء صلاحية جزء من براءات الابتكار على دواء الكوباكسون منذ مطلع أيلول 2015 بدأت “تيفع” تدخل عصور الظلمة، حيث انتهت الثلاث براءات ابتكار الرئيسية من أصل 21 براءة ابتكار تضعها “تيفع” على الكوباكسون، لتبدأ الشركات الأخرى بتقديم الملفات لتسجيل أدويتها ودخول الأسواق وربما بجرعات وأشكال صيدلانية أفضل من نظيرتها في “تيفع” وأقل سعراً وأكثر قبولاً لدى المرضى، حيث إن بعضها يؤخذ لمرة واحدة أسبوعياً وتعمل عليه شركة “نوفارتس” بدلاً عن الثلاث جرعات أسبوعياً لدى “تيفع”.

منذ بداية الأزمة خسرت “تيفع” 30% من قيمتها السوقية في بورصة وول ستريت و 17% من قيمة السهم في بورصة تل أبيب. عزّز من هذا السقوط خوف المستثمرين الذين شرعوا في سحب أموالهم وبيع أسهمهم لتجنب المزيد من الخسارات. إضافة لذلك، تم سحب عدة تشغيلات لعدة أدوية من السوق أهمها (Merphine 10 mg) لأسباب عائدة لجودة المنتج ووجود شوائب، مما فاقم الأزمة وخلق نوعاً من عدم الثقة بين عدد من الأسواق وشركة “تيفع”.

كما أن شركات التصنيف المالي مثل”مورس”، والتي صنفت الشركة بمؤشرات سلبية، قللت أيضاً من ثقة الكثير من البنوك بشركة “تيفع” وأغلقت أمامها باب الاقتراض البنكي كحل للخروج من الأزمة. ناهيك أيضاً عن الاستحواذ الكبير الذي قامت به شركة “تيفع” واستحواذها على شركة (Allergan’s generics business) والذي ترك “تيفع” في دين ضخم، فدخلت الأزمة بمجموعة أزمات وهذا ما فاقم من حدتها.

كانت “تيفع” قد أعلنت عن عدد من الإجراءات لحل الأزمة، منها إنهاء عقود 7,000 موظف في أكثر من موقع، وإغلاق 6 مصانع مع نهاية العام الجاري يليها 9 مصانع أخرى في العام 2018، وانسحابها من أسواق 45 دولة مع نهاية العام الجاري، وبيع العديد من احتكاراتها لشركات أخرى كمايلان ودكتور ريدي ومايان فارما.

قال إسحاق بيتربورغ، المدير التنفيذي ل”تيفع”، في حديث لصحيفة هآرتس: “المديرون التنفيذيون لا يُقدّمون سوى القليل من الأمل في حدوث تحوّل”، وقد كانت “تيفع” في وقت سابق خفضت توقعات أرباحها إلى ربع معدلها هذا العام، لكن محللين في الشأن الاقتصادي أوضحوا أن هذا الرقم قابل للانخفاض أكثر لأنه يفترض أن الشركة لن تواجه منافسة على الـ Copaxone 40 mg والذي لا يزال أسيراً لبراءات الابتكار حتى العام 2020.

لكن يبقى السؤال هل تتجه “تيفع” نحو الإفلاس بالفعل؟ الجواب هنا سياسي أكثر من كونه اقتصادياً، وذلك يعود للارتباط الوثيق بين “تيفع” والكيان الصهيوني منذ قيامه. ومن هنا، يُولد أمامنا سؤالٌ هامٌ، مفاده هل سيسمح الكيان الصهيوني بسقوط شركة “تيفع” عن عرش الصناعات الدوائية الجنيسة؟

تأتي تلك الأسئلة، في ظل التاريخ  المشترك بين الكيان والشركة من حجم الدعم الحكومي والتخفيض الضريبي وحجم المنح التي تتلقاها “تيفع” من هيئة الابتكار الصهيونية. إذ إنها حصلت في عام واحد فقط على منحة قدرها 1.5 مليار دولار لتعزيز أبحاثها في علاج مرض التنكس البقعي المرتبط بالسن، ناهيك عن استثمارات صندوق التقاعد وامتلاكها لجزء من أسهم “تيفع”. ولهذا نرى أن الاجتماعات للخروج من الأزمة لا تجري على مستوى الشركة فقط، بل على المستوى الحكومي أيضاً، فهناك اجتماعات حدثت وتحدث بين وزارة الاقتصاد والصناعة وسلطة الابتكار وسلطة الاستثمارات في وزارة الاقتصاد وصندوق التقاعد مع المديرين التنفيذيين لشركة “تيفع”.