في “رادار”، نشركُكُم بمختارات فريق “باب الواد” لشهر تشرين الثاني، والتي وقعت على أربع مقالاتٍ تنوّع موضوعها بين الثورة الهندية في القرن التاسع عشر وأسباب فشلها وانعكاساتها على المشرق العربي، وبين الدعوة لإعادة بناء أممية العمال والشعوب، وبين توظيف الاستعمار الصهيوني مشاريعَ التشجير كأداةٍ أساسيةٍ في تهويد المشهد وفرض روايةٍ صهيونيةٍ عليه، متخداً من حديقة “أيالون بارك” نموذجاً. بجانب هذه المقالات الثلاث، يأخذنا رضوان آدم في رحلةٍ شيّقةٍ إلى الصعيد المصري، ليعرّفنا على نسوة الجنوب التي تصدح بالغنائيات الشعبية في الأفراح والأتراح، معرّجاً هذه المرّة على نصوص الفرح.

في “رادار”، نشركُكُم بمختارات فريق “باب الواد” لشهر تشرين الثاني، والتي وقعت على أربع مقالاتٍ تنوّع موضوعها بين الثورة الهندية في القرن التاسع عشر وأسباب فشلها وانعكاساتها على المشرق العربي، وبين الدعوة لإعادة بناء أممية العمال والشعوب، وبين توظيف الاستعمار الصهيوني مشاريعَ التشجير كأداةٍ أساسيةٍ في تهويد المشهد وفرض روايةٍ صهيونيةٍ عليه، متخداً من حديقة “أيالون بارك” نموذجاً. بجانب هذه المقالات الثلاث، يأخذنا رضوان آدم في رحلةٍ شيّقةٍ إلى الصعيد المصري، ليعرّفنا على نسوة الجنوب التي تصدح بالغنائيات الشعبية في الأفراح والأتراح، معرّجاً هذه المرّة على نصوص الفرح.

ما بعد الثورة الهندية: الاستعمار البريطاني يحتاط في مصر

في هذا المقال المنشور في منصّة “إضاءات”، يحدّثنا محمد سيد علي عن الهاجس المُسيطر على البريطانيين إزاء الدول ذات الأغلبية المسلمة، وذلك بُعيد تجربتهم مع الثورة الهندية التي اختُزلت في الوعي البريطاني باعتبارها محضَ تمرّدٍ لجنود السباهي المسلمين، والذي يُرَدُّ إلى عصبيّتهم ورفضهم التمدّن.

يُطلعنا الكاتب على توّجه “دالهوزي”- حاكم الهند لمدّة سبع سنوات والذي يعتبره كثيرون مؤسس الدولة الهندية الحديثة- نحو فرض تحديثٍ قسريٍّ على المقاطعات الهندية وسكانها، بُغية تغريب الدولة واعتبارها ملحقاً أساسيّاً بالإمبراطورية البريطانية العظمى آنذاك، قامعاً بذلك طبيعةَ الواقع المحلي للهند الذي يتعارض في بنيته وتقاليد ناسه مع هذا النهج الذي يعدُّ إحكاماً للاستعمار البريطاني وجرّاً لمزيدٍ من العنف الاستعماري تجاه المجموعات الرافضة لذلك.

وللمفارقة، اقتبس “دالهوزي” من جمال الدين الأفغاني- الذي سيحذّر لاحقاً من خطط الاستعمار البريطاني في مصر تحديداً- أطروحتَه المتمثّلةَ في “المستبد العادل”، والقاضية بأخلاقية الأفعال إذا ما كان مجموعُ السعادة وخفضُ الألم الناتج عنها أكبرَ من مجموع الألم وخفض السعادة، ليكون الهنود بذلك الطرفَ الأضعفَ في هذه المعادلة. وفقاً لهذا الطرح الذي يمهّد للنهج المصلحي النفعي على حساب المستضعفين، قاد “دالهوزي” حملةً عنيفةً قادت البلاد إلى الثورة، بعقلٍ ترسخت فيه رؤيةٌ طويلة المدى.

يقول الكاتب إنّ معظم قراءات الثورة الهندية خَلُصت إلى أنّ نجاح أيّة ثورةٍ ضد الاستعمار يكون من داخله وبأدواته ذاتها على جميع الأصعدة، لكنه جرى لاحقاً تسكين الثورة في السردية الحداثية لصعود الدولة القومية الهندية الحديثة. ارتكز  عمل “دالهوزي” على بعدين: أوّلهما توحيد الهند قانونياً وإقليمياً تحت مظلّة بريطانيا، شمل ذلك إقامة شبكة مواصلاتٍ تصل كلّ الهند، فلم يكن من بُدٍّ لإدخال تغييراتٍ مكثّفةٍ؛ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ وثقافيةٍ واقتصاديةٍ، فكّت بعض “التزمُّت” الذي كان مُسيطراً على الهند، ودشّنت إصلاحاتٍ خدماتيةً وزراعيةً. أمّا ثانيهما كان بَتْر الحكم الأميريّ الذي كان قائماً على نوّاب المقاطعات ومُلّاك الأراضي، وضَمِن ضمّ الأراضي التي يموت وريثها الوحيد، غير المتبنّى، إلى أراضي الدولة. تمكّن “دالهوزي” بهاتين، فقط، من ضمّ سبع مقاطعاتٍ هنديةٍ خلال سنيّ حكمه السبعة.

اعترضت مقاطعة “أوده” هذا الطريق؛ واعتبرت ضمّها لمقاطعات “دالهوزي” والقيام بالتدقيق في ملكيات أراضي كبار القوم خيانةً لهم وسبيلاً لإذلالهم. كان ذلك سبباً لتصبح “أوده” لاحقاً مركزاً للثورة عام 1857م بعد توحيد مُلاك الأراضي والفلاحين في وجه “دالهوزي”.

وبعد ما قام به “دالهوزي”، أصبحت الثورة مآلاً محتوماً، انبلجت بتمرّدٍ وعصيانٍ في الجيش. لكنّ هذه الثورة حملت في داخلها بذور الطبقية، إذ لم يتوحّد ملاك الأراضي والفلاحون في معظم المقاطعات، بل ازدادت الهوّة بينهما تفاقماً، كما ازدادت الحداثة والقومية على إثرها تجذُّراً. كما كانت قوانين هذه الثورة سبباً في عملها لصالح الدولة على حساب كلٍّ من المصالح الشخصية وروابط المجتمع التقليديّ.

في محاولةٍ لتقصّي أسباب فشل الثورة، يُرجِع المؤرخ “موكهيرجي” ذلك إلى كونها لم تهدف إلى الإصلاح وبناء نظامٍ اجتماعيٍّ جديدٍ، وإنّما هدفت فقط إلى إرجاع الهند إلى الحال الذي كانت عليه قبل الثورة، بكلّ مساوئه. كما يمكن إرجاع الهزيمة إلى تمرّس القيادات البريطانية بالقتال، إضافةً إلى تلغراف “دالهوزي” الذي مكّن البريطانيين من الاطلاع على خطط الثوار ووضع خُططٍ مضادّةٍ لضرب مراكز الثورة.

أعادت بريطانيا ترتيب هيكلية جيشها، بخلق الفرقة بين عناصره الهندية ذاتها، وكذلك إيجاد توازن بين نسبة الهنود والأوروبيين في مختلف المناطق. فيما شنّوا حملةً ضدّ المسلمين بضربهم وشنقهم وهدم ممتلكاتهم، قارّين بمسؤوليّتهم بقيام هذه الثورة، متّخذين صورةً متعصّبةً حولهم حفّزت عِداءً تاريخياً تَعاقبَ في الأدبيات الاستشراقية.

بعد الدور الهامّ للمسلمين في هذه الثورة، تداعت مخاوفُ بريطانيةٌ للظهور إزاء تعاطفٍ ومشاعرَ إسلاميةٍ، امتدّت هذه الشكوك لتصل إلى الاعتقاد بصلة ثورة الشيخ أحمد الطيب في أسيوط بصعيد مصر عام 1864م وتأثّرها بثورة الهند؛ إذ تتلمذ الشيخ أحمد على يد أحد رجالات الثورة الهندية قبل فشلها ولوذه إلى مصر.

يتجلّى هذا التأثير واضحاً في شخص جمال الدين الأفغاني ورؤيته في الصراع ضدّ الاستعمار،؛ إذ دعا إلى تشكيل خطابٍ مُحذّرٍ من الاستعمار البريطاني وحثّه على الوحدة المصرية، وتحذيره من التساهل في الديون التي تُحدِث استعماراً اقتصادياً يُفضي، لا محالة، إلى الاستعمار السياسيّ.

لقراءة النص كاملاً، من هنا.

غنائياتٌ شعبيةٌ لنسوة الجنوب المصريّ: نصوص الفرح

في هذا النص الغضّ المنشور في منصّة “المراسل”، يستكمل رضوان آدم حديثه عن الغنائيات الشعبية لنسوة مصر في أفراحها، بعد أن حدّثنا عن نصوص الحزن قُبُلاً. يرى آدم أنّ قسوة الطابع المتزمّت لصعيد مصر تنبلجُ على أشُدِّها عندما يكون الحديث عن المرأة؛ فرغم أنها كانت الأكثر وفاءً لعناصر الثقافة الشعبية المصرية، وحفظت الأساطير والحكايات والفلكلور الصعيديّ، وتناقلتها على مرّ السنين أثناء تجذّرها وشقائها في الصعيد مقابل رفاهية الرجل وغيابه عن هذه الأرض.

وعند المقارنة بين نصوص الفرح والحزن في الصعيد، تتفوّق نصوص الفرح من ناحية وفرتها وكثافتها. يبدو هذا انعكاساً لقلوب المصريين الأكثر انحيازاً إلى الابتهاج وحبّ الحياة والنكتة، تحديداً الصعايدة؛ حيث لحظات الشقاء الكثيفة مقابل ندرة لحظات السعادة، فتُصيّرها أمراً عزيزاً.

وبهذا، تشكّل هذه النصوص مرآةً لمجتمع الصعيد وشخوصه؛ واقتباساً من بيئتها ومُحيطها. وهذا ما تُصِرّ نصوص الفرح في الصعيد تأكيده حينما تأخذ تشبيهاتها ومعايير جمالها من مظاهرها ومشاهدها البصرية والحِسّية؛ ففي كثيرٍ من تلك النصوص، يُشَبّه طول شعر الفتاة أو العروس بطول القصب المُنتشِر في أنحاء الصعيد، وعودُها بعود الخيزران.

عودٌ على بدءٍ، في المقارنة بين نصوص الفرح والحزن، فإنّ وتيرة نصوص الفرح أسرعُ منها في نصوص الحزن. تعكس هذه السرعة رغبةً في التنفيس وركوب أدراج الانبساط و”الطيران فرحاً”، كما أنّ نصوص الفرح تستدعي عناصرَ فلكلوريةً أكثر من تلك التي تستدعيها نصوص الحزن؛ إذ تتضمّن رقصاً شعبياً وأفكاراً، وزيّاً محلياً خاصّاً، وطقوساً لتجهّز كلَّ المشاركين في الحفل أو الفرح.

أيضاً، تصفُ هذه النصوص مُختلف الطقوس، من رسم الحِنّاء على جسد العروسة، وما يتخلّلها من رقصٍ وغناءٍ وإضاءةٍ للشموع، وضربٍ بالدفوف، وشُربٍ للمياه الغازية، التي تُعَدُّ برستيجاً، أو حتى تبذيرها ورشّها على الأرض في سبيل الضيوف والعروسين، الذين “يرخص كلّ شيء علشانهم”، كما قد تختصُّ بعض النصوص أثناء تأدية طقسٍ معيّنٍ.

ثمّ يلفتُ آدم نظرنا لكون هذه النصوص تتعدّى وظائف التسلية والمرح إلى وظائف النُّصح والتربية التي تطال كلَّ أطراف الفرح؛ العريس والعروسة وأهل كلٍّ منهما وخاصّته. كلُّ ذلك من أجل أن “يعيشوا في ثبات ونبات، ويخلّفوا صبيان وبنات”. تُعلي نصوص الفرح عموماً من شأن العروسة وأهلها، على عكس ما تشي به كلماتها لأول وهلةٍ:

“خدناها خدناها .. خدناها بالسيف الماضي

وأبوها مكنش راضي.. وعلشانها بعنا الأراضي

الحلوة اللي كسبناها ..خدناها بالملايين. “

في هذا النصّ، يُظهر المؤدّون له من أهل العريس مكانةً كبيرةً للعروس، لدرجة أنّ الأمر استدعى المبارزة بالسيف وبيع الأراضي ودفع الملايين، والتي غالباً ما تكون غير ذي صلةٍ بالواقع؛ حيث المهر البسيط المتواضع.

لقراءة النص كاملاً، من هنا.

حان الوقت لإعادة بناء أمميّة العمال والشعوب

في مقالٍ على موقع “بالأحمر” لم يُنشر من قَبْل للمفكر الماركسي الراحل سمير أمين، نجد نداءً لإعادة بناء أممية الشعوب من جديدٍ؛ كإطارٍ أمميٍّ يحوي جميع القوى والأحزاب اليسارية من أجل تنسيق الجهود النضالية حول العالم وتسيير جهودها، على نحوٍّ شبيهٍ بالأمميات الأولى والثانية والثالثة التي ضمت الأحزاب الشيوعية حول العالم في كيانٍ واحدٍ.

مستنداً إلى تنظيره السابق حول التبعية والمنظومة الاقتصادية العالمية، يستعرض أمين المشهد العالمي لوضع الحركة العماليّة وما آلت إليه، بعد عقودٍ من التراجع على إثر الهجوم الرأسمالي الشرس على مصالح العمال؛ فيما يسمى اليوم بعصر النيوليبرالية. يرى الكاتب أنَّ تطور الرأسمالية كان ولا يزال مصحوباً بالتوسع الاستعماري والحروب الإمبريالية، وأن ما نسميها “العولمة” اليوم هي مجرّد عولمة قوة رأس المال على شعوب العالم، وعولمة تخوّل الشمال لحكم الجنوب

يستحضر أمين تجربة الأمميات ويشدد على أهميتها بناءً على قراءته لواقع الحركات العُماليّة العالميّة وانقطاع التواصل بينها وتشتتها. فيرى أمين، أولاً، أنّ حركات اليوم تتسمُّ بالطابع المطلبي المحدود، حيث تقتصر عملها على مجالاتٍ محصورةٍ، وغالباً ما يتم احتواء تلك الحركات من قبل المنظومة، بل ويتم استخدامها كإثباتٍ لديمقراطية وليبرالية هذه المنظومة، بما أنها تسمع للمعارضة وتستجيب لها. ثانياً، يعتقد أمين أنّ شعوب الشمال تخلت عن شعوب الجنوب في كفاحها ضد الإمبريالية. أمّا ثالثاً، فلقد أخذت الأيديولوجيا اليمينة بالتجذر داخل بعض فئات شعوب الشمال.

اقرأ/ي المزيد هنا: ثورات الجنوب (1): الثورة الصينية وإنهاء قرن الذل.

هكذا، يستعرض أمين عيوب الحركات العمالية الحالية، إلا أنه أيضاً يستعرض نقاط ضعف المنظومة العالمية، مستنتجاً أن الوضع الراهن غيرُ قابلٍ للاستمرار. يعزو هذه الخلاصة إلى أن أوروبا، التي احتلت موقعاً مركزيّاً في مشروع “العولمة الإمبريالية”، بدأت في الانهيار الداخلي، لتصبح غيرَ قابلةٍ للاستمرار بشكلها الحالي.

كما يُرجع أمين هذه المسألة إلى أنّ التباطؤ في نسبة النمو في الشمال والتسارع المتزامن للنمو في الجنوب خَلَقَ- ولا يزال- احتكاكاتٍ متكررةً، وأحياناً عنيفةً، بين دول المركز ودول الأطراف، كوْنَ محاولة دول الأطراف النهوضَ الاقتصاديَّ، سيتم التصدي لها من قبل دول المركز. ويسبب هذا الاحتكاك، بدوره، اختلالاً في المنظومة العالمية. كما يضيف أمين إلى العوامل السابقة مسألة الدمار البيئي التي شكّلها جشع الإنتاج والتوسع الرأسمالي، لتُعتبر مؤشراً إضافيّاً على عدم قدرة المنظومة على الاستمرار على هذا النحو.

بناءً على هذه المؤشرات، يخلُص أمين إلى ضرورة تأسيس منظمة،ٍ تحت رايةٍ أمميةٍ جديدةٍ، تضمُّ كل القوى المحاربة والثورية التي تهدف ليس إلى إنهاء أزمة الرأسمالية، بل إلى إنهاء الرأسمالية دائمة التأزم. لكن ما هي الإمكانيات التي يقدمها أمين للقارئ التي تدل على واقعية صعود كيانٍ جديدٍ كهذا؟ برأي أمين أنّه “لن يؤثر شيءٌ حاسمٌ على التحاق شعوب الثالوث بالخيار الإمبريالي، خاصةً في أوروبا”، وأيُّ محاولةٍ للخروج من هذه المنظومة، غالباً ستنتهي كما انتهت تجارب سيريزا وبوديموس وغيرها.

يفترض هذا الادعاء عدم التعويل على شعوب الشمال كشركاء في النضال، وهذا بحد ذاته يشكل عائقاً أمام الأممية. فلو أعدنا تعريف الأممية كـ”أممية شعوب الجنوب وراديكاليي الشمال”، سيبقى السؤال الأهم: على أيِّ أساسٍ، وعلى أيِّ برنامجٍ مشتركٍ، يمكن أن تقوم عليه هذه الأممية الجديدة؟ نهايةً، يتّضح أن العوائق أمام مشروعٍ كهذا هي أكثرُ من فرص تحقيقها.

لقراءة النص كاملاً، من هنا.

“إسرائيل”- فلسطين… أشجارٌ تخفي الاستعمار

في هذا النص المترجم والمنشور في موقع “فُسحة”، يتناول النص حقيقةً تقضي بأنّ الحدائق التي قام الصهاينة بإنشائها لم تكُن إلا بمنزلة سلاحٍ صهيونيٍّ. يتّجه الحديث، هنا، نحو حديقة “أيالون بارك” المُقامة على أنقاض عمواس التاريخية، والتي يديرها الصندوق القوميّ اليهوديّ، كما يفعل مع جلّ مشاريع التشجير والغابات في “إسرائيل”. يعدُّ الصندوق مسؤولاً عن العناية بالحديقة وفتحها للعامّة، فضلاً عن بناء روايةٍ تاريخيةٍ تخدم السردية الصهيونية، وتضمن بروز روحٍ معنويةٍ تحثّ على الاستيلاء عليها. يدعي الصندوق القومي اليهودي أن الموقع الذي أقيمت فيه “أيالون بارك” كان ساحةً للمواجهة الكتابية التوراتية بين يوشع وملوك كنعان. كما يرى في المكان أهميةً استراتيجيةً وحربيةً، إذ يطلّ هذا الموقع على المدخل الجبليّ لباب الواد، والذي تضمن السيطرة عليه استيلاءً على الطريق الرئيس الواصل بين القدس والساحل.

اقرأ/ي المزيد هنا: باب الواد.

لاحقاً، أصبحت السيطرة على موقع البارك تعني مزيداً من التوسّع على الأرض وضماناً لأمن الصهاينة أثناء تنقّلهم على جانبيه؛ إذ ظلّ هذا الموقع المُتاخم لحدود “الخط الأخضر” تحت السيطرة الأردنية حتى عام 1948، وشكّل الاستيلاء عليه بعد معركة اللطرون الثانية عام 1967 رمزيةً صهيونيةً هامّةً توسّع الكيان على إثرها ثلاثة أضعافه، وتمكّن الصهاينة من إعلان القدس، موحّدةً، عاصمةً لكيانهم.

عطفاً على مشاريع التشجير في فلسطين ووظيفتها الحربية، فإنّ الأشجار والغابات عموماً تجعل من حيّزٍ ما شيئاً مُعرّفاً وقابلاً للتحكّم به وحمايته من أية محاولاتٍ لاقتحامه. ولهذا، عمد الكيان إلى إحاطة حدود منطقة فلسطين عام 1948 بحزامٍ شجريٍّ، وكذلك فعل في المستوطنات المتاخمة لغلاف غزة. كما تلعب مشاريع التشجير المُقامة على الأنقاض دوراً هامّاً في طمس جرائم الكيان وإخفائها، وتتعدّاها إلى تغطية تاريخ المكان أو ومعالمه.

اقرأ/ي المزيد هنا: تاريخٌ مختصرٌ للغابة الاستعمارية في فلسطين.

لعلّ مرونة أشجار الصنوبر التي تتكوّن معظم الغابات الاستعمارية منها، وقدرتها على التأقلم مع الأرض وتمدُّدها السريع مكّنت من ذلك، كما أنّ غطاءها الأخضر الكثيف مكّن من الدفاع والغزو وإخفاء مواقع التحصّن، وكذلك من المسح لأغراض التجسُّس والمراقبة.

كما وظَّف الكيان الصهيوني مشاريع التشجير كأداةٍ في قوننة المستوطنات ومدّ سيطرته على كثيرٍ من الأراضي، خاصّةً في مناطق “ج”، مستفيداً ممّا بين يديه من قوانين عثمانية وبريطانية وأردنية، سَرت على أهل البلاد وألِفوها، من مثل تلك التي تحكم بملكية الأراضي تِبْعاً لزارعها، وتلك التي أقرّت الأراضي غير المزروعة واعتبرتها أراضي دولة، وغيرها من القوانين.

اقرأ/ي المزيد هنا: القانون والعنف: مصادرة الأراضي نموذجاً.

هكذا، لعبت أشجار الصنوبر سلاحاً مشهوراً ضدّ أهل البلاد المُطالبين بعودتهم إليها، وأصبحت علماً مُميّزاً للغابات الاستعمارية، في مقابل الأراضي المزروعة بالزيتون، حاملةً عَلمَ أهل البلاد.

لقراءة النص كاملاً، من هنا.