يمكننا موضعة ما قام ويقوم به ثيوفيلوس الثالث كأحد نماذج الخيانة التي عرفتها الشعوب المُستعمَرة، فثيوفيلوس عميل يؤدي وظيفته بكل قناعة ونجاعة واتّساق مع الذات، يدل على ذلك الإنجازات والحقائق على الأرض تمكيناً لمشروعه الذي يُؤمِن به: المشروع الصهيوني.

يمكننا القول بأنّ شراكة تاريخية تكونت بين البطريركية الأرثوذكسية اليونانية والمشروع الصهيوني في فلسطين، قامت البطريركية بتوفير أراضٍ وعقارات ذات أهمية استراتيجية للاستيطان الصهيوني، خاصة في مدينة القدس منذ بدايات الاستعمار البريطاني إلى يومنا هذا. ضمن هذا السياق التاريخي، تأتي عمليات بيع العقارات المقدسية للعدوّ التي قام بها ويقوم بها الخائن ثيوفيلوس وعصابته، والتي تصبّ مباشرةً في المجهود الاستيطاني الحثيث لتهويد المدينة، سعياً لحسم هويّتها على الأرض، وشبراً بشبر.

لا يُقدّم الدافع المادي تفسيراً مقنعاً أو كافياً لما يقوم به ثيوفيلوس الثالث وعصابته؛ فنحن أمام مجهودٍ منظّمٍ وعنيدٍ ومستمرٍ يُبذل بكل إخلاص ووعي ولا يقوم به سوى المحارب العقائدي المؤمن بصدقية المشروع الصهيوني في بلادنا فلسطين. كل ذلك يتمّ بتواطؤ رسمي فلسطيني وأردني قدّم غطاءً وشرعيةً لهذا الدور الخياني، وهذا الإنجاز الصهيوني.

منذ أن افتضح أمر ثيوفيلوس الثالث وعصابته، انطلق حراكٌ شعبيٌ نشطٌ يطالب بمقاطعته وعزله ووقف عمليات تسريب عقارات الكنيسة الأرثوذكسية للعدو وصولاً إلى تعريبها، دون المطالبة بالقصاص والمعاقبة. ولكن هذا الحراك على أهميته وجهوده الحثيثة بقي عاجزاً عن تحقيق الحدّ الأدنى، وهو على الأقل وقف عمليات البيع والتسريب، والأهم أن تتحول هذه القضية إلى قضية وطنيّة ولا تبقى محصورة كشأن داخلي للكنيسة والطائفة.

يمكننا موضعة ما قام ويقوم به ثيوفيلوس الثالث كأحد نماذج وحالات الخيانة التي عرفتها الشعوب المُستعمَرة، فثيوفيلوس عميل يؤدي وظيفته بكل قناعة ونجاعة واتّساق مع الذات، يدل على ذلك الإنجازات والحقائق على الأرض تمكيناً لمشروعه الذي يُؤمِن به: المشروع الصهيوني. ولكن من غير المفهوم وما يجب أن يُؤرّقنا هو فشلنا في وقف هذا المشروع الخياني الواضح الفاضح المستمر منذ سنوات طويلة!

في منظومة القيم الوطنية الفلسطينية، مثّل ويمثّل بيع الأرض والعقار للصهاينة الشر المطلق، ومنذ بدايات الصراع منذ أكثر من 100 عام، ارتبط فعل الخيانة أول ما ارتبط ببيع الأرض للعدو، ولم يُعرف عن الشعب الفلسطيني أنه تسامح يوماً مع باعة الأراضي والسماسرة، وعادة ما كانت عمليات تصفيتهم جسدياً ترافقها “طقوس احتفالية ” لا تكتفي بالقتل، وإنما تمتد إلى ما بعد الموت بتعليق الجثة على عامود الكهرباء أو تُسحّل في الشوارع، وصولاً إلى منع الصلوات عليهم ودفنهم في مقابرنا. كأن المجتمع الفلسطيني، مثله مثل غيره من المجتمعات التي خصصت وصممت أقسى أنواع العقوبات للخونة، يطهّر ذاته من الدنس العظيم من خلال التشنيع في طقوس التصفية الجسدية، ويعيد تحصين منظومته الأخلاقية الوطنية المرتبطة بالصراع حول الأرض، ويعيد التأكيد على هويته التاريخية النقيضة للمشروع الاستعماري الصهيوني.

وبهذا، فإن ما قام ويقوم به ثيوفيلوس الثالث وعصابته يتجاوز العمالة للعدو بتسريب الأراضي، إلى الاغتيال القيمي لهويتنا الوطنية ضمن مشروع إبادة سياسية بتواطؤ صريح من سلطة الحكم الذاتي التي وللمرة الأولى في التاريخ الفلسطيني مأسَست العمالة للعدو وحولتها إلى عقيدة “وطنية” تحت مسمّى التنسيق الأمني.

أن تَمرّ جريمة ثيوفيلوس الثالث بدون عقاب معناه أن منظومتنا القيمية الوطنية باتت منظومة معطوبة، عاطلة عن العمل. وإن مرّت جريمة ثيوفيلوس بدون عقاب، سيتقلب آل سرسق في قبورهم ضاحكين شامتين، وسيحزن كثيراً مرج ابن عامر.